الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وحلوا أساور من فضة )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وحلوا أساور من فضة ) ، وفيه سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : قال تعالى في سورة الكهف : ( أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ) [ الكهف : 31 ] فكيف جعل تلك الأساور ههنا من فضة ؟ ( والجواب ) من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه لا منافاة بين الأمرين ، فلعلهم يسورون بالجنسين ؛ إما على المعاقبة أو على الجمع كما تفعل النساء في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الطباع مختلفة ، فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب ، فالله تعالى يعطي كل أحد ما تكون رغبته فيه أتم ، وميله إليه أشد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن هذه الأسورة من الفضة إنما تكون للولدان ، الذين هم الخدم ، وأسورة الذهب للناس .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : السوار إنما يليق بالنساء ، وهو عيب للرجال ، فكيف ذكر الله تعالى ذلك في معرض الترغيب ؟ ( الجواب ) : أهل الجنة جرد مرد شباب ، فلا يبعد أن يحلوا ذهبا وفضة ، وإن كانوا رجالا ، وقيل : هذه الأسورة من الفضة والذهب إنما تكون لنساء أهل الجنة وللصبيان فقط ، ثم غلب في اللفظ جانب التذكير . وفي الآية وجه آخر ، وهو أن آلة أكثر الأعمال هي اليد ، وتلك الأعمال والمجاهدات هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المعارف الإلهية والأنوار الصمدية ، فتكون تلك الأعمال جارية مجرى الذهب والفضة التي يتوسل بهما إلى تحصيل المطالب ، فلما كانت تلك الأعمال صادرة من اليد كانت تلك الأعمال جارية مجرى سوار [ ص: 225 ] الذهب والفضة ، فسميت الأعمال والمجاهدات بسوار الذهب والفضة ، وعبر عن تلك الأنوار الفائضة عن الحضرة الصمدية بقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) ، وبالجملة فقوله : ( وحلوا أساور من فضة ) إشارة إلى قوله : ( والذين جاهدوا فينا ) [ العنكبوت : 69 ] ، وقوله : ( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) إشارة إلى قوله : ( لنهدينهم سبلنا ) [ العنكبوت : 69 ] فهذا احتمال خطر بالبال ، والله أعلم بمراده .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية