الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويصح بيع ) العين ( المستأجرة ) حال الإجارة ( للمكتري ) قطعا لانتفاء الحائل كما لو باع المغصوب من غاصبه ، وإنما امتنع بيع المشتري قبل قبضه للبائع لضعف ملكه ( ولا تنفسخ الإجارة في الأصح ) لورودها على المنفعة والملك على الرقبة فلا منافاة . والثاني تنفسخ لأنه إذا ملك الرقبة حدثت المنافع على ملكه فلا تستوفى الإجارة وكما لو اشترى زوجته فإنه ينفسخ النكاح ، ورد بأنه إنما ينتقل إلى المشتري ما كان للبائع والبائع حين البيع ما كان يملك المنفعة ، بخلاف النكاح فإن السيد يملك منفعة بضع الأمة المزوجة بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد لا للزوج ( فلو ) ( باعها لغيره ) أو وقفها أو وهبها أو أوصى بها وقد قدرت الإجارة بزمن ( جاز في الأظهر ) وإن لم يأذن المكتري لما مر من اختلاف الموردين ، ويد المستأجر لا تعد حائلة في الرقبة لأن يده عليها يد أمانة ، ومن ثم لم يمنع المشتري من تسلمها لحظة لطيفة ليستقر ملكه ثم يرجع للمستأجر ويغتفر ذلك القدر اليسير للضرورة . والثاني المنع لأن يد المستأجر حائلة عن التسليم بحق لازم [ ص: 329 ] فكانت أولى بالمنع من الغاصب ، ورد بما مر .

                                                                                                                            وشمل كلامه ما لو كانت مشحونة بأمتعة كثيرة لا يمكن تفريغها إلا بعد مضي مدة لمثلها أجرة فيصح البيع فيما يظهر ، وإن توقف قبضها على تفريغها على ما مر في بابه ، أما إذا قدرت بعمل فكذلك خلافا لأبي الفرج البزار وإن تبعه البلقيني ( ولا تنفسخ ) الإجارة قطعا ، بل تبقى في يد المكتري إلى انقضاء أمدها ، فإن جهل المشتري تخير ولو في مدة الإجارة كما اقتضاه إطلاقهم ، وسواء في صحة البيع ولو مع الجهل أكان جاهلا بالمدة أم عالما خلافا للأذرعي ومن تبعه ، فإن أجاز لم يستحق أجرة لبقية المدة ، ولو علمها وظن استحقاق الأجرة فإن انفسخت الإجارة عادت المنافع للبائع بقية المدة كما رجحه ابن الرفعة ، وهو أوجه مما رجحه السبكي أنها للمشتري ، ويؤيد الأول ما قاله الجلال البلقيني بأن الموصى له بالمنفعة لو اشترى الرقبة ثم باعها انتقلت بمنافعها للمشتري ، وقياسه أنه لو استأجر دارا مدة ثم اشتراها ثم باعها والمدة باقية فتنتقل بجميع منافعها للمشتري ، فإن استثنى البائع المنفعة التي له بالإجارة بطل البيع في المسألتين ، ولو أجر لبناء أو غراس ثم انقضت المدة فأجر لآخر قبل وقوع التخيير السابق نظيره في العارية لم يصح فيما يضر الانتفاع به البناء أو الشجر كما هو ظاهر لبقاء احترام مال المستأجر الأول .

                                                                                                                            ويصح في غير المضر سواء أخصه بالعقد أم لم يخصه ، وكان التوزيع على المضر وغيره ممكنا ، وعلى هذا يحمل قول بعضهم يصح إن أمكن تفريغها منه في مدة لا أجرة لمثلها ولم يسترها الغراس ، وأفتى البلقيني فيمن أجر أرضه مدة بأجرة مؤجلة ثم مات المستأجر قبل أوان الزرع فاستولى آخر وزرع عدوانا بحلول الأجرة بموته وعدم انفساخ الإجارة ، هذا إن لم يضع المتعدي يده وإلا ارتفع [ ص: 330 ] الحلول الذي سببه موت المستأجر ، لأن الحلول إنما يدوم حكمه ما دامت الإجارة بحالها ، فإذا مضت المدة ويد المتعدي قائمة فقد انفسخت الإجارة في الجميع وارتفع الحلول ويلزم المؤجر رد ما أخذه من تركة الميت على ورثته . قال : وهذه مسألة نفيسة لم تقع لي قط ويستحق المؤجر أجرة المثل على المتعدي وليس للورثة تعلق به ا هـ .

                                                                                                                            ويؤيد ما مر في الغصب ولو أجر بأجرة مقسطة فكتب الشهود الأجرة إجمالا ثم قسطت بما لا يطابق الإجمال ، فإن لم يمكن الجمع تحالفا لأن تعارض ذينك أوجب سقوطهما ، وإن أمكن كأن قالوا أربع سنين بأربعة آلاف كل شهر مائتا درهم وعشرة دراهم حمل على تقسيط المبلغ على أول المدة فيفضل بعد تسعة عشر شهرا عشرة دراهم تقسط على ما يخصها من الشهر وهو يوم من أول الشهر العشرين وثلاثة أسباع يوم لأن حصة كل يوم سبعة ، وبمعنى ذلك أفتى الوالد رحمه الله تعالى ، وعن ابن الصلاح ما يوافقه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وإنما امتنع بيع المشتري ) قد يقال لا حاجة إلى هذا بالنسبة لما الكلام فيه لأن الذي استحقه المستأجر بالإجارة منفعة العين ، والذي أورد عقد البيع عليه محل المنفعة وهو العين وليست متعلق الإجارة فلا جامع بينها وبين عدم صحة بيع المشتري للمبيع قبل قبضه . نعم يشكل على ما مر من صحة إجارة العين المؤجرة من المؤجر قبل القبض لأنها الشبيهة ببيع المبيع من البائع قبل قبضه ، وتقدم الفرق بينهما في كلام الشارح والكلام عليه ( قوله : فإن السيد يملك منفعة بضع الأمة ) يتأمل وكأن المراد أن الملك في النكاح وارد على المنفعة أيضا إذ الزوج لا يملكها بل يملك أن ينتفع بشيء مخصوص ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : وقد قدرت الإجارة ) أي في الثلاثة ( قوله : ومن ثم لم يمنع المستأجر ) أي لم يجز له أن يمنع إلخ ( قوله : للضرورة ) [ ص: 329 ] هو ظاهر حيث لم تمض مدة تقابل بأجرة فيحتمل أن المستأجر لا يجبر على تفريغها ، وأنه لو رضي بتفريغها واحتاج التفريغ إلى أجرة فيحتمل أنها على المؤجر لأن منفعة التفريغ تعود إليه لانتفاعه بإزالة الضمان عنه واستقرار الثمن ( قوله : وإن توقف قبضها ) قضية قوله قبل لحظة لطيفة أنه لا يجبر هنا على تسليمها للمشتري حيث كانت مدة التفريغ تقابل بأجرة أو فيها مشقة لا تحتمل عادة ، ويؤخر المشتري قبض العين إلى انتهاء مدة الإجارة قهرا عليه حيث اشترى عالما بكونها مؤجرة فقد رضي ببقائها في يده ( قوله : خلافا لأبي الفرج ) ظاهره أن كلام أبي الفرج مصور بما إذا كان البيع لغير المكتري ( قوله : ويؤيد الأول ) يتأمل كون ذلك مؤيدا للأول فإنه إنما يظهر تأييده للثاني : أي وهو ما رجحه السبكي ( قوله : والمدة باقية ) أي مدة الإجارة ( قوله : ويصح في غير المضر ) أي ويتخير [ ص: 330 ] المشتري كما كان يتخير البائع ( قوله : ويؤيد ما مر ) أي قريبا في قول الشارح بعد قول المصنف ولو أكرى عينا مدة إلخ أو حبسها أو غصبها إلخ ( قوله في الغصب ) أي للعين المؤجرة ا هـ سم ( قوله : ثم قسطت بما لا يطابق الإجمال ) أي أما لو لم تقسط الأجرة على أجزاء المؤجر كما لو قال أجرتك هذه الأرض بكذا على أنها خمسون ذراعا مثلا فبانت دون ذلك لم يسقط من الأجرة شيء في مقابلة ما نقص من الأذرع ، لكن يتخير المستأجر بين الفسخ والإجارة ، فإن فسخ رجع بما دفعه إن كان وإلا سقط المسمى عن ذمته ، ثم إن كان الفسخ بعد مضي المدة أو بعضها استقر عليه أجرة مثل ما مضى من المدة قبل الفسخ ( قوله : تحالفا ) أي المؤجر والمستأجر ويفسخانها هما أو أحدهما أو الحاكم إن لم يتراضيا بقول أحدهما ( قوله : على أول المدة ) أي وما زاد على ذلك لا تتعلق به الإجارة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وإنما امتنع بيع المشتري إلخ ) الجامع بين هذا ومسألتنا أن كلا منهما فيه بيع الشخص ما ليس تحت يده لمن هو تحت يده ، وبه يندفع ما في حاشية الشيخ ( قوله : لأنه إذا ملك الرقبة حدثت المنافع على ملكه ) أي من حيث ملك الرقبة لا من حيث الإجارة ، وإلا فالمنافع تحدث على ملك [ ص: 329 ] المستأجر كما مر ، وعبارة المحقق الجلال : لأن المنفعة تابعة في البيع للرقبة . ( قوله : فإن جهل المشتري تخير ولو في مدة الإجارة ) عبارة التحفة ويخير المشتري إن جهل ولو مدة الإجارة كما اقتضاه إطلاقهم ، لكن بحث الأذرعي وغيره بطلان البيع عند جهل المدة انتهت . فقوله : ولو مدة الإجارة غاية في الجهل إشارة إلى رد ما بحثه الأذرعي وكأن الشارح رحمه الله فهم منها غير المراد فتصرف فيها بما ترى ( قوله : ولو مع الجهل ) صوابه في حالة العلم إذ الجهل بالإجارة لا يصح فيه التعميم بعده كما لا يخفى ( قوله : ولو علمها وظن استحقاق الأجرة إلخ ) عبارة التحفة : ولو علمها وظن استحقاق الأجرة تخير عند الغزالي ورجحه الزركشي ; لأنه مما يخفى . وقال الشاشي : لا يتخير فلو انفسخت إلخ ، فآخر العبارة ساقط من نسخ الشارح ، إذ لا يصح جعل قوله ولو علمها إلخ غاية فيما قبله كما لا يخفى ( قوله : ويؤيد الأول ) عبارة التحفة عقب قوله إنهاء للمشتري نصها : ولو آجر داره مدة ثم استأجرها تلك المدة ثم باعها فهل تدخل المنفعة في البيع ؟ اختلف فيه جمع متأخرون ، والأوجه نعم قياسا على ما قاله الجلال البلقيني أن الموصى له إلخ . وأما ما في الشارح فغير صحيح . ( قوله : قبل وقوع التخيير ) وظاهر أن مثله بعده إذا اختار الإبقاء بالأجرة ( قوله : وعلى هذا يحمل قول بعضهم إلخ ) يتأمل [ ص: 330 ] قوله : الذي سببه موت المستأجر ) خرج به الحلول الذي سببه مضي المدة قبل موته فلا يرتفع كما هو ظاهر .




                                                                                                                            الخدمات العلمية