الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قد فرض الله أي قدر ذو الجلال والإكرام الذي لا شريك له ولا أمر لأحد معه، وعبر بالفرض حثا على قبول الرخصة إشارة إلى [ أن -] ذلك لا يقدح في الورع ولا يخل بحرمة اسم الله لأن أهل الهمم العوالي لا يحبون النقلة من عزيمة إلى رخصة بل من رخصة إلى عزيمة، أو عزيمة إلى مثلها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التخفيف على هذه الأمة إنما هو كرما منه وتعظيما لهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكم [ أي -] أيتها الأمة التي أنت رأسها، وعبر بمصدر حلل المزيد مثل كرمه وتكرمه إظهارا لمزيد الغاية فقال: تحلة أي تحللة أيمانكم أي شيئا يحللكم مما أوثقتم به أنفسكم منها تارة بالاستثناء وتارة بالكفارة تحليلا عظيما بحيث يعيد الحال إلى ما كان عليه قبل اليمين، وقد بين ذلك في سورة المائدة فحلل يمينك واخرج من تضييقك على نفسك واشرح من صدرك لتتلقى ما يأتيك من أنباء الله تعالى وأنت [ متفرغ -] له بطيب النفس وقرة العين، وهذا يدل على أن قوله "أنت علي حرام" كاليمين إذا لم يقصد به طلاقا للزوجة ولا إعتاقا للأمة، وإذا كان الله قد فرض ذلك لكافة الأمة تيسيرا عليهم فرأسهم أولى بأن يجعل له ذلك، قال مقاتل : [ ص: 184 ] فأعتق صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة رقبة، و[ قد -] قيل: إن تحريمه صلى الله عليه وسلم هنا كان بيمين حلفها وحينئذ لا يكون فيه حجة لمن رأى أن "أنت علي حرام" يمين والله أي والحال أن المختص بأوصاف الكمال مولاكم أي يفعل معكم فعل القريب الصديق العليم [ أي -] البالغ العلم بمصالحكم وغيرها إلى ما لا نهاية له الحكيم أي الذي يضع كل ما يصدر عنه لكم في أتقن محاله بحيث لا ينسخه هو ولا يقدر غيره أن يغيره ولا شيئا منه، وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : خفاء بشدة اتصال هذه السورة بسورة الطلاق لاتحاد مرماهما وتقارب معناهما، وقد ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه حين اعتزل في المشربة حتى سأله عمر رضي الله عنه والقصة معروفة وتخييره صلى الله عليه وسلم إياهن أثر ذلك وبعد اعتزالهن شهرا كاملا وعتب الله عليهن في قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وقوله: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فهذه السورة وسورة الطلاق أقرب شيء وأشبه بسورة الأنفال وبراءة لتقارب المعاني والتحام المقاصد - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية