الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإياك أن تمازح لبيبا أو غير لبيب ؛ فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يجترئ عليك لأن المزاح يخرق الهيبة ويسقط ماء الوجه ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الود ويشين فقه الفقيه ويجرئ السفيه ويسقط المنزلة عند الحكيم ويمقته المتقون وهو يميت القلب ويباعد عن الرب تعالى ويكسب الغفلة ويورث الذلة وبه تظلم السرائر وتموت الخواطر وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب .

وقد قيل : لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر .

ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله عند قيامه قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من جلس في مجلس فكثر به لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك .

"
.

التالي السابق


(وإياك أن تمازح لبيبا أو غير لبيب؛ فإن اللبيب يحقد عليك والسفيه يتجرأ عليك) .

اعلم أن المزاح إذا كان على الاقتصاد محمود، ففي الخبر: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا، وقال سعيد بن العاصي لابنه: اقتصد في مزاحك؛ فالإفراط فيه يذهب بالبهاء ويجرئ عليك السفهاء، وتركه يقبض المؤانسين ويوحش المخاطبين. ولكن الاقتصاد فيه صعب جدا لا يكاد يوقف عليه؛ ولذلك تحرج منه أكثر الحكماء وإليه أشار المصنف بقوله (فإن المزاح يخرق الهيبة) أي: يذهب بها، فلا يهاب (ويسقط ماء الوجه) أي: الحياء. وإليه أشار الشاعر :


فإن إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا



(ويعقب الحقد ويذهب بحلاوة الود ويشين فقه الفقيه ويجرئ) عليك (السفيه ويسقط المنزلة عند الحكيم ويمقته المتقون ويميت القلب ويباعد عن الرب ويكسب الغفلة ويورث الذلة) والاحتقار (وبه تظلم السرائر) أي: تسود البواطن (وتموت الخواطر وبه تكثر العيوب وتبين الذنوب) ومثل ذلك قال بعض الحكماء: المزاح مسامة للبهاء مقطعة للإخاء وهو لا ينتج إلا الشر .

وروى ابن عساكر من حديث أبي هريرة: من كثرت دعابته ذهبت جلالته، ومن كثر مزاحه ذهب وقاره، وقال: غريب المتن والإسناد (وقد قيل: لا يكون المزاح إلا من سخف أو بطر) قال الخليل: الخف بالضم في العقل خاصة، وهو النقص والسخافة في كل شيء، وهي الرقة والبطر محركة كفر النعمة .

(ومن بلي في مجلس بمزاح أو لغط فليذكر الله -عز وجل- عند قيامه) منه (قال -صلى الله عليه وسلم-: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك") .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه، قلت: لفظه في السند حسن صحيح غريب، ورواه كذلك ابن حبان والحاكم وابن السني في عمل يوم وليلة، والبيهقي في الشعب، وروى الطبراني في الكبير، وابن النجار من حديث عبد الله بن عمر: "وكفارة المجلس أن يقول العبد: سبحانك اللهم [ ص: 249 ] وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك".

ورواه الطبراني أيضا من حديث ابن مسعود وأخرج سمويه في فوائده من حديث أنس: "كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك" وعند ابن النجام من حديث جبير: "كفارة المجلس أن لا تقوم حتى تقول: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، تب علي واغفر لي" يقولها ثلاث مرات، فإن كان مجلس لغو كانت كفارته وإن كان مجلس خير كان طابعا عليه، وأخبرني المسند عمر بن أحمد بن عقيل، أخبرنا عبد الله بن سالم، أخبرنا محمد بن العلاء الحافظ، أخبرنا سالم بن محمد، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي، أخبرنا البدر محمد بن البهاء المشهدي، أخبرنا الشهاب أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا سعيد بن الحكم، حدثنا خلاد بن سليمان، حدثنا خالد بن أبي عمران، عن عروة بن الزبير، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مجلسا ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات، فقلت: يا رسول الله، أراك ما تجلس مجلسا ولا تتلو قرآنا ولا تصلي إلا ختمت بهؤلاء الكلمات قال: نعم، من قال خيرا كن طابعا له على ذلك الخير ومن قال شرا كن كفارة له: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن إسماعيل بن عسكر عن سعيد بن الحكم به، فوقع لنا بذلك عاليا، ولله الحمد .




الخدمات العلمية