الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويلزم ولي الأمر منع من ليس أهلا ، قال شيخنا : وأكثر من تميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ، ونظر تام ترجح عنده أحدهما ، لكن قد لا يثق بنظره ، بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه ، والواجب على مثل هذا موافقته للقول الذي ترجح [ ص: 426 ] عنده بلا دعوى منه للاجتهاد ، كمجتهد في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجح عند أحدهما قلده .

                                                                                                          والدليل الخاص الذي يرجح به قولا على قول أولى بالاتباع من دليل عام على أن أحدهما أعلم وأدين . وعلم أكثر الناس بترجيح قول على قول في أكثر الأمور أيسر من علم أحدهم بأن أحدهما أعلم وأدين ، لأن الحق واحد ولا بد . ويجب أن ينصب الله على الحكم دليلا ، وأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع ، وتكلم فيها الصحابة إلى الآن بقصد حسن ، بخلاف الإمامين .

                                                                                                          وقال أيضا : النبيه الذي سمع اختلاف العلماء وأدلتهم في الجملة عنده ما يعرف به رجحان القول ، قال : وليس لحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ وإلزامهم برأيه واعتقاده ، اتفاقا ، فلو جاز هذا لجاز لغيره مثله وأفضى إلى التفرق والاختلاف .

                                                                                                          نقل أحمد بن الحسين بن حسان : لا ينبغي أن يشبه الشيء بالشيء إلا رجل عالم كبير يعرف كيف يشبه الشيء بالشيء ، ونقل أبو الحارث : لا يجوز الاختيار إلا لعالم بالكتاب والسنة مميز ، فيختار الأقرب والأشبه بهما فيعمل به .

                                                                                                          قال الشافعي ليس للإمام أن يولي حاكما ، ولا يحل للحاكم أن يحكم [ ص: 427 ] ولا ينبغي للمفتي أن يفتي ، حتى يكون عالما بالكتاب ناسخه ومنسوخه ، وعامه وخاصه ، وفرضه وأدبه ، عالما بالسنن وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا ، عالما بلسان العرب ، عاقلا ، يميز بين المشتبه ; ويعقل القياس ، عدلا ، قال البيهقي : واشترط في القديم مع هذا أن يكون عالما كيف يأخذ الأحاديث ، فلا يرد منها ثابتا ، ولا يثبت منها ضعيفا ، وسئل ابن المبارك : متى يفتي الرجل ؟ فقال : إذا كان عالما بالأثر ، بصيرا بالرأي .

                                                                                                          وقال عبد الرحمن بن مهدي : لا يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح ، حتى لا يحتج بكل شيء ، وحتى يعلم مخارج العلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية