الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : من الناس من تمسك بهذه الآية في أن الاسم نفس المسمى ، فأقول : إن الخوض في الاستدلال لا يمكن إلا بعد تلخيص محل النزاع ، فلا بد هاهنا من بيان أن الاسم ما هو والمسمى ما هو حتى يمكننا أن نخوض في الاسم هل هو نفس المسمى أم لا ، فنقول : وإن كان المراد من الاسم هو هذا اللفظ ، وبالمسمى تلك الذات ، فالعاقل لا يمكنه أن يقول : الاسم هو المسمى ، وإن كان المراد ، من الاسم هو تلك الذات ، وبالمسمى أيضا تلك الذات كان قولنا الاسم نفس المسمى ، هو أن تلك الذات نفس تلك الذات ، وهذا لا يمكن أن ينازع فيه عاقل ، فعلمنا أن هذه المسألة في وصفها ركيكة . وإن كان كذلك كان الخوض في ذكر الاستدلال عليه أرك وأبعد بل هاهنا دقيقة ، وهي أن قولنا : اسم لفظة جعلناها اسما لكل ما دل على معنى غير مقترن بزمان ، والاسم كذلك فيلزم أن يكون الاسم اسما لنفسه فهاهنا الاسم نفس المسمى فلعل العلماء الأولين ذكروا ذلك فاشتبه الأمر على المتأخرين ، وظنوا أن الاسم في جميع المواضع نفس المسمى ، هذا حاصل التحقيق في هذه المسألة ، ولنرجع إلى الكلام المألوف ، قالوا : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى أن أحدا لا يقول سبحان اسم الله وسبحان اسم ربنا فمعنى سبح اسم ربك سبح ربك ، والرب أيضا اسم فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه ، واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لما بينا في المسألة الأولى أنه يمكن أن يكون الأمر واردا بتسبيح الاسم ، ويمكن أن يكون المراد تسبيح المسمى وذكر الاسم صلة فيه . ويمكن أن يكون المراد سبح باسم ربك كما يقال : ( فسبح باسم ربك العظيم ) ويكون المعنى سبح ربك بذكر أسمائه .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 125 ] المسألة الثالثة : روي عن عقبة بن عامر أنه لما نزل قوله تعالى : ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزل قوله : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال : " اجعلوها في سجودكم " ثم روي في الأخبار أنه عليه السلام كان يقول : في ركوعه : " سبحان ربي العظيم " وفي سجوده : " سبحان ربي الأعلى " ثم من العلماء من قال : إن هذه الأحاديث تدل على أن المراد من قوله : ( سبح اسم ربك ) أي صل باسم ربك ، ويتأكد هذا الاحتمال بإطباق المفسرين على أن قوله تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) [ الروم : 17 ] ورد في بيان أوقات الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قرأ علي عليه السلام وابن عمر : ( سبحان الأعلى الذي خلق فسوى ) ولعل الوجه فيه أن قوله : ( سبح ) أمر بالتسبيح فلا بد وأن يذكر ذلك التسبيح وما هو إلا قوله : سبحان ربي الأعلى .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : تمسكت المجسمة في إثبات العلو بالمكان بقوله : ( ربك الأعلى ) والحق أن العلو بالجهة على الله تعالى محال ، لأنه تعالى إما أن يكون متناهيا أو غير متناه ، فإن كان متناهيا كان طرفه الفوقاني متناهيا ، فكان فوقه جهة فلا يكون هو سبحانه أعلى من جميع الأشياء وأما إن كان غير متناه فالقول : بوجود أبعاد غير متناهية محال وأيضا فلأنه إن كان غير متناه من جميع الجهات يلزم أن تكون ذاته تعالى مختلطة بالقاذورات تعالى الله عنه ، وإن كان غير متناه من بعض الجهات ومتناهيا من بعض الجهات كان الجانب المتناهي مغايرا للجانب غير المتناهي فيكون مركبا من جزأين ، وكل مركب ممكن ، فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود ، وهذا محال . فثبت أن العلو هاهنا ليس بمعنى العلو في الجهة ، مما يؤكد ذلك أن ما قبل هذه الآية وما بعدها ينافي أن يكون المراد هو العلو بالجهة ، أما ما قبل الآية فلأن العلو عبارة عن كونه في غاية البعد عن العالم ، وهذا لا يناسب استحقاق التسبيح والثناء والتعظيم ، أما العلو بمعنى كمال القدرة والتفرد بالتخليق والإبداع فيناسب ذلك ، والسورة هاهنا مذكورة لبيان وصفه تعالى بما لأجله يستحق الحمد والثناء والتعظيم ، وأما ما بعد هذه الآية فلأنه أردف قوله : ( الأعلى ) بقوله : ( الذي خلق فسوى ) والخالقية تناسب العلو بحسب القدرة لا العلو بحسب الجهة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية