الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 130 ]

                                                                                                                                                                                                                                            ( ونيسرك لليسرى )

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ونيسرك لليسرى ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اليسرى هي أعمال الخير التي تؤدي إلى اليسر ، إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن قوله : ( ونيسرك ) معطوف على ( سنقرئك ) وقوله : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) اعتراض ، والتقدير : سنقرئك فلا تنسى ، ونوفقك للطريقة التي هي أسهل وأيسر ، يعني في حفظ القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال ابن مسعود : اليسرى الجنة ، والمعنى نيسرك للعمل المؤدي إليها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه وتعمل به .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : نوفقك للشريعة وهي الحنيفية السهلة السمحة ، والوجه الأول أقرب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لسائل أن يسأل فيقول العبارة المعتادة أن يقال : جعل الفعل الفلاني ميسرا لفلان ، ولا يقال : جعل فلان ميسرا للفعل الفلاني فما الفائدة فيه ههنا ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : أن هذه العبارة كما أنها اختيار القرآن في هذا الموضع ، وفي سورة الليل أيضا ، فكذا هي اختيار الرسول في قوله عليه السلام : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " وفيه لطيفة علمية ، وذلك لأن ذلك الفعل في نفسه ماهية ممكنة قابلة للوجود والعدم على السوية ، فما دام القادر يبقى بالنسبة إلى فعلها وتركها على السوية امتنع صدور الفعل عنه ، فإذا ترجح جانب الفاعلية على جانب التاركية ، فحينئذ يحصل الفعل ، فثبت أن الفعل ما لم يجب لم يوجد ، وذلك الرجحان هو المسمى بالتيسير ، فثبت أن الأمر بالتحقيق هو أن الفاعل يصير ميسرا للفعل ، لا أن الفعل يصير ميسرا للفاعل ، فسبحان من له تحت كل كلمة حكمة خفية وسر عجيب يبهر العقول .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : إنما قال : ( ونيسرك لليسرى ) بنون التعظيم لتكون عظمة المعطي دالة على عظمة العطاء ، نظيره قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر ) [ الحجر : 9 ] ( إنا أعطيناك الكوثر ) [ الكوثر : 1 ] دلت هذه الآية على أنه سبحانه فتح عليه من أبواب التيسير والتسهيل ما لم يفتحه على أحد غيره ، وكيف لا وقد كان صبيا لا أب له ولا أم له نشأ في قوم جهال ، ثم إنه تعالى جعله في أفعاله وأقواله قدوة للعالمين ، وهديا للخلق أجمعين .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية