الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) تنعقد ( بضمنته أو علي أو إلي ) [ ص: 287 ] أو عندي ( أو أنا به زعيم ) أي كفيل ( أو قبيل به ) أي بفلان ، أو غريم ، أو حميل بمعنى محمول بدائع

التالي السابق


( قوله : وتنعقد بضمنته إلخ ) أما ضمنته فلأنه تصريح بمقتضى الكفالة ; لأنه يصير ضامنا للتسليم ، والعقد ينعقد بالتصريح بموجبه كالبيع ينعقد بالتمليك ، وأما علي فلأنه صيغة التزام ، ومن هنا أفتى قارئ الهداية بأنه لو قال التزمت بما على فلان كان كفالة وإلى بمعناه هنا وتمامه في النهر .

ثم اعلم أن ألفاظ الكفالة كل ما ينبئ عن العهدة في العرف والعادة وفي جامع الفتاوى : هذا إلي أو وأنا كفيل به أو قبيل أو زعيم كان كله كفالة بالنفس لا كفالة بالمال ا هـ تتارخانية .

وفي الحاكم : وقوله ضمنت وكفلت وهو إلي وهو علي سواء كله وهو كفيل بنفسه ا هـ ، ثم ذكر في باب الكفالة بالمال إذا قال إن مات فلان قبل أن يوفيك مالك فهو علي فهو جائز ا هـ ، فقد علم أن قوله أولا هو إلي هو علي كفيل بنفسه إنما هو حيث كان الضمير للرجل المكفول به ، أما لو كان الضمير للمال فهو كفالة مال وكذا بقية الألفاظ .

ففي التتارخانية أيضا عن الخلاصة : لو قال لرب المال أنا ضامن ما عليه من المال فهذا ضمان صحيح ثم قال : ولو ادعى أنه غصبه عبدا ومات في يده فقال خله فأنا ضامن بقيمة العبد فهو ضامن يأخذ منه من ساعته ولا يحتاج إلى إثبات بالبينة ا هـ .

فقد ظهر لك أن ما مر أولا عن التتارخانية من أن هذه الألفاظ كفالة نفس لا كفالة مال ليس المراد أنها لا تكون كفالة مال أصلا ، بل المراد أنه إذا قال أنا به كفيل أو زعيم إلخ أي بالرجل كان كفالة نفس ; لأنها أدنى من كفالة المال ولم يصرح بالمال ; بخلاف ما إذا توجهت هذه الألفاظ على المال فإنها تكون كفالة مال ; لأنها صريحة به فلا يراد بها الأدنى وهو كفالة النفس مع التصريح بالمال أو بضميره ، وهذا معنى ما نقله الشلبي عن شرح القدوري للشيخ أبي نصر الأقطع من قوله : فإذا ثبت أن هذه الألفاظ يصح الضمان بها فلا فرق بين ضمان النفس وضمان المال ا هـ أي إذا قال ضمنت زيدا أو أنا كفيل به أو هو علي أو إلي يكون كفالة نفس كما أفتى به في الخيرية .

وإذا قال : ضمنت لك ما عليه من المال أو أنا كفيل به إلخ فهو كفالة مال قطعا ، وأما إذا لم يعلم المكفول به أنه كفالة نفس أو مال فلا تصح الكفالة أصلا كما يأتي بيانه ، وبه علم أنه [ ص: 287 ] لا تحرير فيما قاله الشلبي بعدما مر عن شرح الأقطع من أنه ينبغي أن يقال هذه الألفاظ إذا أطلقت تحمل على الكفالة بالنفس ، وإذا كان هناك قرينة على الكفالة بالمال تتمحض حينئذ للكفالة به ا هـ فإنه إذا لم يعلم المكفول به بأن قال أنا ضامن ولم يصرح بنفس ولا مال لا تصح أصلا كما يأتي ، فقوله : تحمل على الكفالة بالنفس مخالف للمنقول كما تعرفه ، نعم لو قامت قرينة على أحدهما يمكن أن يقال يعمل بها كما إذا قال قائل اضمن لي هذا الرجل فقال الآخر أنا ضامن فهو قرينة على كفالة النفس ، وإن قال اضمن لي ما عليه من المال فقال أنا ضامن فهو قرينة على المال ; لأن الجواب معاد في السؤال فافهم ، واغنم تحرير هذه المسألة فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب ، ولله الحمد .

مطلب لفظ عندي يكون كفالة بالنفس ، ويكون كفالة بالمال .

( قوله : أو عندي ) في البحر عن التتارخانية : لك عندي هذا الرجل أو قال دعه إلي كانت كفالة ا هـ يعني بالنفس .

وقال في البحر أيضا عند قوله : ولو قال إن لم أوافك به غدا إلخ عن الخانية إن لم أوافك به فعندي لك هذا المال لزمه ; لأن عندي إذا استعمل في الدين يراد به الوجوب ، وكذا لو قال إلي هذا المال ا هـ . فهذا صريح أيضا بأن عندي يكون كفالة نفس وكفالة مال بحسب ما توجه إليه اللفظ ، وبه أفتى في الخيرية والحامدية .

وأما ما قاله في البحر عند قول الكنز : وبما لك عليه من أن عندي كعلي في التعليق فقط ولا تفيد كفالة بالمال بل بالنفس ، وما أفتى به من أنه : لو قال لا تطالب فلانا مالك عندي لا يكون كفيلا ، فقد رده في النهر بأن ما مر عن الخانية من العلة المذكورة غير مقيد بالتعليق ، ورده المصنف أيضا ، وكذا الخير الرملي بقولهم : إن مطلق لفظ عندي للوديعة لكنه بقرينة الدين يكون كفالة .

وفي الزيلعي من الإقرار أنه العرف .

قال الرملي : ومقتضى ذلك أن القاضي لو سأل المدعى عليه عن جواب الدعوى فقال عندي كان إقرارا ا هـ .

( قوله : بمعنى محمول ) كذا عزاه المصنف إلى البدائع أيضا .

قال ط : الأظهر أن يكون بمعنى فاعل ; لأنه حامل لكفالته




الخدمات العلمية