الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 106 - 107 ] وكراء أرض بنيت كمركب نخر ، وأخذ ما لا عين له قائمة ، [ ص: 108 ] وصيد شبكة وما أنفق في الغلة

[ ص: 107 ]

التالي السابق


[ ص: 107 ] و ) له ( كراء أرض بنيت ) دارا أو نحوها وسكنها الغاصب أو استغلها . اللخمي لم أعلمهم اختلفوا فيمن غصب أرضا وبناها ثم سكن أو استغل أنه لا يغرم سوى غلة القاعة ، وهذا إذا كانت الأرض له خاصة ، فإن كانت مشتركة وبنى فيها أحد الشريكين أو غرس فليقتسما ، فإن وقع بناؤه أو غرسه في حصته دفع لشريكه أجرة الأرض فيما مضى ، وإن وقع في حصة شريكه خير من وقعت في حصته بين دفع قيمته مقلوعا أو أمره بقلعه قاله ابن القاسم ، وحكى اللخمي الخلاف فيمن غصب بناء خربا وأصلحه واغتله فقال أشهب ما زاد في غلته فللغاصب كساحة يعمرها . وقال محمد الجميع للمالك ووافق أصبغ أشهب . اللخمي وهو أبين فيقوم الأصل قبل إصلاحه فينظر ما كان يؤاجر به ممن يصلحه فيغرمه ، وما زاد على ذلك فللغاصب . ورأى محمد أن جميع الغلة للمغصوب منه ، وله أخذ الدار مصلحة ولا شيء عليه إلا قيمة ما لو نزعه كانت له قيمة ورأى المالك يستحق البناء بقيمته فتكون غلته له .

وشبه في أن كراء الأصل الخرب لمن يصلحه للمالك والزائد بالإصلاح للغاصب فقال ( كمركب ) بفتح الميم والكاف وسكون الراء أي سفينة ( نخر ) بفتح النون وكسر الخاء المعجمة ، أي بال متخرب غصبه وأصلحه واستغله فغلة الأصل للمالك والزائد للغاصب بأن يقال كم تساوي أجرته نخرا لمن يعمره ويستغله ، فما قيل لزم الغاصب له قاله أشهب . وقال محمد الجميع للمالك . اللخمي الأول أبين . ابن راشد أقيس . ابن عبد السلام الثاني أظهر . ( و ) إذا أخذ المالك المركب ( أخذ ) معه بلا عوض ( ما ) أي المصلح به الذي ( لا عين ) أي ذات ( له ) بعد قلعه ( قائمة ) أي لها قيمة كالزفت والقلفطة . وأما ما له عين قائمة كالحبال والمجاذيف والسواري والقلاع والهلب الذي يرمى في البحر لحبس المركب عن السير فللغاصب أخذه إن كان المركب في مرسى بلد المغصوب منه ، وإن كان في غيره وتوقف سيره إلى بلد المغصوب منه عليه ولم يجد بدله يسيرها به إليه في ذلك الموضع ، [ ص: 108 ] فيخير رب المركب بين دفع قيمته في ذلك الموضع كيف كانت وتسليمه للغاصب .

ابن عرفة لو غصب مركبا خربا وأنفق في قلفطته ورقبته وآلته ثم اغتل فيه غلة كثيرة فلربه أخذه مصلوحا بجميع غلته ، ولا غرم عليه فيما أنفق الغاصب إلا في الصاري والأرجل والحبال ، وما له ثمن إن أخذ فللغاصب أخذه ، وإن كان بموضع لا توجد فيه آلته التي لا بد منها في جريه حتى يرد إلى موضعه ، وما لا يوجد بالموضع الذي حمله إليه إلا بمشقة فربه مخير في أخذ ذلك بقيمته .

( و ) له كراء ( صيد شبكة ) وشرك ورمح ونبل وقوس وحبل وسيف مغصوبة فصيد مجرور عطف على أرض ، والمراد به هنا الاصطياد . وأما المصيد بها فهو للغاصب اتفاقا ، وفي بعض النسخ وله صيد شبكة والضمير الغاصب ، والصيد بمعنى المصيد ، ويلزم عليها تشتيت مرجع ضمير له فإنه فيما تقدم راجع للمغصوب منه ، وهنا راجع للغاصب ، ولا يستفاد من هذه النسخة أن على الغاصب كراء الشبكة . وفي بعض النسخ لا صيد شبكة أي ليس للمغصوب منه ما صيد بشبكته فهو للغاصب ، وعليه أجرتها . ابن بشير إن كان المغصوب آلة كسيف فلا خلاف أن الصيد للغاصب ومثل السيف الشباك والحبالات .

( وما ) أي المال الذي ( أنفق ) هـ الغاصب على المغصوب كعلف الدابة المغصوبة ومؤنة الرقيق المغصوب وكسوته وسقي الأرض المغصوبة وعلاجها وحصد الزرع المغصوب ودرسه وتذريته وسقي الشجر المغصوب وعلاجه كائن ( في الغلة ) للمغصوب لا يتعداها إلى ذمة المغصوب منه ، فإن لم يكن للمغصوب غلة أو زادت النفقة عليها فلا رجوع للغاصب على المغصوب منه ، هذا مذهب ابن القاسم في المدونة والموازية ، ثم رجع في الموازية إلى أنه لا شيء للغاصب من الغلة في النفقة واختاره ابن المواز . المصنف الأول أظهر لأن الغاصب وإن ظلم لا يظلم . ابن عرفة وعلى غرم الغاصب الغلة في رجوعه بالنفقة فيها طريقان .

اللخمي في رجوعه بنفقة العبد والدابة والسقي والعلاج ثلاثة . ابن القاسم في الموازية [ ص: 109 ] يرجع به ما لم يجاوز الغلة ، ثم قال لا يرجع به الحائط إن كان بحيث لو كان بيد ربه استأجر له فهو كطعام العبد ، وإن كان لا يستأجر له ، لأن له عبيدا ودواب ولم يستعملهم بعد غصب الحائط لم يكن عليه شيء ، وإن كان عنده بعض ذلك رجع بأجر ما يعجز رب الحائط عنه من ذلك ، وإن استعملهم ربهم بعد غصب الحائط كان عليه أجر ما عمله الغاصب ما لم يجاوز الأجر الذي أخذه فيهم ولأصبغ في الواضحة من تعدى على رجل فسقى له شجره أو حرث أرضه أو حصد زرعه ثم سأله أجر ذلك إن كان رب هذه الأشياء ممن لا بد أن يستأجر عليها فعليه أجرها ، وإن كان يلي ذلك بنفسه أو له من يلي ذلك له فلا شيء عليه ، وأرى أن على المغصوب منه الأقل من إجارة المثل فيما عمله الغاصب ، أو ما أجر هو به عبيده أو الغلة . قلت الأظهر أن ثالث الأقوال هو اختياره كعد ابن رشد في كثير من المسائل اختياره قولا ، ولا يصح جعل قول أصبغ ثالثا لأنه في غير مسألة غاصب لنص قوله تعدى مفسرا له بقوله فسقى إلخ الصقلي لما ذكر قولها برجوع الغاصب بما أنفق وسقى وعالج ورعى في الغلة ، قال وقاله أشهب ، وقال ابن القاسم أيضا لا شيء له من ذلك وإن كان سببا للغلة وأخذ به محمد . قال إذ ليس بعين قائمة ولا يقدر على أخذه ولا هو مما له قيمة بعد قلعه . قلت وعزاه ابن رشد أيضا لسحنون وابن الماجشون . .




الخدمات العلمية