الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الأمر الثاني : أهلية البائع والمشتري ، ويشترط فيهما لصحة البيع : التكليف ، [ ص: 344 ] فلا ينعقد بعبارة الصبي والمجنون ، لا لأنفسهما ، ولا لغيرهما ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز ، باشر بإذن الولي أو بغير إذنه ، وسواء بيع الاختبار وغيره . وبيع الاختبار : هو الذي يمتحنه الولي به ليستبين رشده عند مناهزة الاحتلام ، ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقل ، فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ ، أتى به الولي . وفي وجه ضعيف : يصح منه بيع الاختبار .

                                                                                                                                                                        قلت : ويشترط في المتعاقدين ، الاختيار . فإن أكرها على البيع ، لم يصح ، إلا إذا أكره بحق ، بأن يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه ، أو شراء مال أسلم إليه فيه ، فأكرهه الحاكم عليه ، صح بيعه وشراؤه ؛ لأنه إكراه بحق . فأما بيع المصادر ، فالأصح : صحته . وقد سبق بيانه في نصف الباب الثاني من الأطعمة . ويصح بيع السكران وشراؤه على المذهب ، وإن كان غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول ، وسنوضحه في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لو اشترى الصبي شيئا فتلف في يده ، أو أتلفه ، فلا ضمان عليه في الحال ، ولا بعد البلوغ . وكذا لو اقترض مالا ؛ لأن المالك هو المضيع بالتسليم إليه . وما داما باقيين ، فللمالك الاسترداد . ولو سلم ثمن ما اشتراه ، لزم الولي استرداده ، ولزم البائع رده إلى الولي . فإن رده إلى الصبي ، لم يبرأ من الضمان . وهذا كما لو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده ، أو سلم متاعا إلى مقوم ليقومه ، فإذا أخذه ، لم يجز رده إلى الصبي ، بل يرده إلى وليه إن كان المال للصبي . وإن كان لكامل ، فإلى المالك . فلو أمره الولي بدفعه إلى الصبي ، فدفعه إليه ، سقط عنه الضمان إن كان المال للولي . وإن كان للصبي ، فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي [ ص: 345 ] في البحر ففعل ، فإنه يلزمه الضمان . ولو تبايع صبيان وتقابضا ، وأتلف كل واحد ما قبضه ، نظر ، إن جرى ذلك بإذن الوليين ، فالضمان عليهما ، وإلا ، فلا ضمان عليهما ، وعلى الصبيين الضمان ؛ لأن تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لا ينعقد نكاح الصبي وسائر تصرفاته ، لكن في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في موضعه . ولو فتح بابا وأخبر بإذن أهل الدار في الدخول ، أو أوصل هدية وأخبر عن إهداء مهديها ، فهل يجوز الاعتماد عليه ؟ نظر ، إن انضمت قرائن تحصل العلم بذلك ، جاز الدخول والقبول ، وهو في الحقيقة عمل بالعلم ، لا بقوله . وإن لم ينضم ، نظر ، إن كان غير مأمون القول ، لم يعتمد ، وإلا ، فطريقان . أصحهما : القطع بالاعتماد . والثاني : على الوجهين في قبول روايته .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        كما لا تصح تصرفاته اللفظية ، لا يصح قبضه في تلك التصرفات ، فلا يفيد قبضه الملك في الموهوب له وإن اتهبه الولي ، ولا لغيره إذا أمره الموهوب له بالقبض له . ولو قال مستحق الدين لمن عليه : سلم حقي إلى هذا الصبي ، فسلم إليه قدر حقه ، لم يبرأ من الدين ، وكان ما سلمه باقيا في ملكه ، حتى لو ضاع ، لضاع عليه ، ولا ضمان على الصبي ؛ لأن الدافع ضيعه بتسليمه ، ويبقى الدين بحاله ؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ، فلا يزول عن الذمة ، كما لو قال : ألق حقي في البحر ، فألقى قدر حقه ، لا يبرأ ، بخلاف ما لو قال مالك الوديعة للمودع : سلم مالي إلى هذا الصبي ، فسلم ، خرج من العهدة ؛ لأنه امتثل أمره في حقه المتعين [ ص: 346 ] كما لو قال : ألقها في البحر ، فامتثل . ولو كانت الوديعة للصبي ، فسلمها إليه ، ضمن ، سواء كان بإذن الولي أو بغير إذنه ، إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولي به .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية