الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثاني : من المواضع في سبب إفادتها الحصر ويعرف من أنها مفردة أو مركبة ، وفيه طرق : أحدها : أنها لفظة مفردة وضعت للحصر ابتداء من غير اعتبار تركيب ومن غير وضعها لمعنى ، ثم نقلها لمعنى الحصر ، ودليله أنها للحصر ، والأصل عدم التركيب والنقل ، وكونها على صورة " إن " مع " ما " لا يستدعي [ ص: 242 ] التركيب منهما بل المجموع حرف واحد ، كما أن الجزء الأول من لفظ إنسان على صورة حرف الشرط وليس مركبا منه . الثانية : للإمام فخر الدين الرازي أن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فإذا جمعا فقيل : إنما زيد قائم ، فالأصل بقاء معناه بعد التركيب على ما كان عليه ، وليس النفي والإثبات متوجهين إلى المذكور ، ولا إلى غير المذكور للتناقض ، بل أحدهما للمذكور والآخر لغير المذكور ، وليس " إن " لإثبات ما عدا المذكور و " ما " لنفي المذكور وفاقا ، فتعين عكسه ، وهو معنى القصر . ورد بأن حكم الإفراد غير حكم التركيب ، ولا نسلم كونهما كلمتين بل كلمة واحدة والأصل عدم التركيب والنقل ، وأيضا حكم غيره لم يذكر فكيف ينفى حكمه ؟ هذا على تقدير تسليم المقدمتين ، وهما أن " إن " للإثبات و " ما " للنفي ، لكنهما ممنوعتان باتفاق النحاة أما " إن " فليست للإثبات ، ولا ما للنفي بدليل استعمالها مع كل منهما . تقول : إن زيدا قائم ، وإن زيدا لا يقوم ، فلو كانت لأحدهما دون الآخر لم تستعمل معهما ، وأما " ما " فليست للنفي وإنما هي كافة . وأجيب عن ذلك بأن الكفر حكم لفظي لا ينافي أن يقارنه حكم معنوي ، واستدل السكاكي على أنها ليست بنافية بأن النافية لها صدر الكلام ، وهذه ليست كذلك ، وبأنه يلزم اجتماع حرفي النفي والإثبات بلا فاصل ، وبأنه لو كانت النافية لجاز نصب قائم في : إنما زيد قائم ; لأن الحرف وإن زيد يعمل ، ولكان معنى إنما زيد قائم تحقق عدم قيام زيد ; لأن ما يلي النفي منفي ، والتوالي الأربعة باطلة .

                                                      [ ص: 243 ] وانتصر القاضي عضد الدين للإمام ، وقال : مراده أن كلمة " إنما " هكذا للحصر كسائر الكلمات المركبة الموضوعة لمعنى ، لا أن لفظة " إن " ولفظة " ما " ركبتا وبقيتا على أصلهما حتى لا يرد عليه الاعتراضات ، وما ذكره الإمام بيان وجه المناسبة لئلا يلزم النقل الذي هو خلاف الأصل ، لكن يرد عليه في بيان وجه المناسبة أن قولك : " ما " لنفي غير المذكور كنفي غير قيام زيد في قولك : إنما زيد قائم غير متعين فلم لا يجوز أن تكون لنفي قيام غير زيد ؟ وقال الشيخ أبو حيان كون " ما " هنا للنفي قول من لم يشتم رائحة النحو . قلت : قد حكاه في المحصول " عن الفارسي في الشيرازيات " أنه حكاه عن النحويين ، قال : وقولهم حجة ، لكن قال الشيخ جمال الدين في المغني " لم يقل ذلك الفارسي في الشيرازيات " ولا قاله نحوي غيره ، وإنما الذي في الشيرازيات " أن العرب عاملوا " إنما " معاملة النفي ، وإلا في فصل الضمير . قلت : سبق من كلامه ما يدل على أنه أراد إشرابها معنى النفي أيضا وقال ابن برهان من أئمة النحويين في شرح اللمع " ما نصه : تأول قوم " إنما " على معنى ما وإلا ، واستدلوا بقول الفرزدق :

                                                      وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

                                                      وهذا قول ذكره أبو علي عن بعض البغداديين في قوله تعالى : { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها } أي ما حرم إلا الفواحش ، وهذا قول لا نتبين صحته عندنا ، وقد قال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } . انتهى . [ ص: 244 ] وسيأتي جوابه أنه لم يخرج عن الحصر لكنه مجازي .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية