الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أمر ) الأصيل ( كفيله ببيع العينة ) أي بيع العين بالربح نسيئة ليبيعها المستقرض بأقل ليقضي دينه ، اخترعه أكلة الربا ، وهو مكروه مذموم شرعا لما فيه من الإعراض عن مبرة الإقراض ( ففعل ) الكفيل ذلك ( فالمبيع للكفيل و ) زيادة ( الربح عليه ) لأنه العاقد و ( لا ) شيء على ( الآمر ) [ ص: 326 ] لأنه إما ضمان الخسران أو توكيل بمجهول وذلك باطل .

التالي السابق


مطلب بيع العينة .

( قوله : أمر كفيله ببيع العينة ) بكسر العين المهملة وهي السلف ، يقال باعه بعينة : أي نسيئة مغرب .

: وفي المصباح وقيل لهذا البيع عينة ; لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا ا هـ ، أي قال الأصيل للكفيل اشتر من الناس نوعا من الأقمشة ثم بعه فما ربحه البائع منك وخسرته أنت فعلي فيأتي إلى تاجر فيطلب منه القرض ويطلب التاجر منه الربح ويخاف من الربا فيبيعه التاجر ثوبا يساوي عشرة مثلا بخمسة عشر نسيئة فيبيعه هو في السوق بعشرة فيحصل له العشرة ويجب عليه للبائع خمسة عشر إلى أجل أو يقرضه خمسة عشر درهما ثم يبيعه المقرض ثوبا يساوي عشرة بخمسة عشرة ، فيأخذ الدراهم التي أقرضه على أنها ثمن الثوب فيبقى عليه الخمسة عشر قرضا درر .

: ومن صورها أن يعود الثوب إليه كما إذا اشتراه التاجر في الصورة الأولى من المشتري الثاني ودفع الثمن إليه ليدفعه إلى المشتري الأول ، وإنما لم يشتره من المشتري الأول تحرزا عن شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن .

( قوله : أي بيع العين بالربح ) أي بثمن زائد نسيئة : أي إلى أجل وهذا تفسير للمراد من بيع العينة في العرف بالنظر إلى جانب البائع ، فالمعنى أمر كفيله بأن يباشر عقد هذا البيع مع البائع بأن يشتري منه العين على هذا الوجه ; لأن الكفيل مأمور بشراء العينة لا ببيعها ، وأما بيعه بعد ذلك لما اشتراه فليس على وجه العينة ; لأنه يبيعها حالة بدون ربح .

( قوله : وهو مكروه ) أي عند محمد ، وبه جزم في الهداية .

قال في الفتح : وقال أبو يوسف : لا يكره هذا [ ص: 326 ] البيع ; لأنه فعله كثير من الصحابة وحمدوا على ذلك ولم يعدوه من الربا حتى لو باع كاغدة بألف يجوز ولا يكره .

وقال محمد : هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا ، وقد ذمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " { إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ذللتم وظهر عليكم عدوكم } " أي اشتغلتم بالحرث عن الجهاد .

وفي رواية " { سلط عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لكم } " وقيل إياك والعينة فإنها اللعينة .

ثم قال في الفتح ما حاصله : إن الذي يقع في قلبي أنه إن فعلت صورة يعود فيها إلى البائع جميع ما أخرجه أو بعضه كعود الثوب إليه في الصورة المارة وكعود الخمسة في صورة إقراض الخمسة عشر فيكره يعني تحريما ، فإن لم يعد كما إذا باعه المديون في السوق فلا كراهة فيه بل خلاف الأولى ، فإن الأجل قابله قسط من الثمن ، والقرض غير واجب عليه دائما بل هو مندوب وما لم ترجع إليه العين التي خرجت منه لا يسمى بيع العينة ; لأنه من العين المسترجعة لا العين مطلقا وإلا فكل بيع بيع العينة ا هـ ، وأقره في البحر والنهر والشرنبلالية وهو ظاهر ، وجعله السيد أبو السعود محمل قول أبي يوسف ، وحمل قول محمد والحديث على صورة العود .

هذا وفي الفتح أيضا : ثم ذموا البياعات الكائنة الآن أشد من بيع العينة حتى قال مشايخ بلخ منهم محمد بن سلمة للتجار إن العينة التي جاءت في الحديث خير من بياعاتكم وهو صحيح ، فكثير من البياعات كالزيت والعسل والشيرج وغير ذلك استقر الحال فيها على وزنها مظروفة ثم إسقاط مقدار معين على الظرف وبه يصير البيع فاسدا ولا شك أن البيع الفاسد بحكم الغصب المحرم فأين هو من بيع العينة الصحيح المختلف في كراهته ا هـ .

( قوله : لأنه إما ضمان الخسران ) أي نظرا إلى قوله علي فإنها للوجوب فلا يجوز كما إذا قال لرجل بايع في السوق فما خسرت فعلي درر .

( قوله : أو توكيل بمجهول ) أي نظرا إلى الأمر به فلا يجوز أيضا لجهالة نوع الثوب وثمنه درر




الخدمات العلمية