الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : ما يقال لمن لبس ثوبا جديدا : وقل لأخ أبل وأخلق ويخلف الإله كذا قل عش حميدا تسدد ( وقل ) أي يندب لك أن تقول ( ل ) كل ( أخ ) لك في الإسلام إذا لبس ثوبا جديدا ( أبل ) من أبلى الثوب وبلاه أي أفنى الثوب ( وأخلق ) أي صيره خلقا ، يعني : الله يبليه ويصيره خلقا ، وهذا دعاء لصاحب الثوب بطول الحياة ، كأنه دعا له أن يطول الله عمره حتى يبليه ويخلقه ، ولا يخلفه وراءه تركة ( ويخلف ) عليه ( الإله ) المعبود بحق الذي يعطي الكثير ، ويرضى بالبر اليسير ، جل شأنه ، تعالى سلطانه ، وذلك لما روى الإمام أحمد والبخاري في صحيحه عن أم خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة كساء سوداء ، قال من ترون نكسوها هذه الخميصة ؟ فأسكت القوم ، فقال ائتوني بأم خالد ، فأتى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده وقال : أبلي وأخلقي يا أم خالد ، هذا سنا قال ذلك مرتين } .

قال في الآداب الكبرى : السنا بلسان الحبشة الحسن .

قال في النهاية : يروى أخلقي بالقاف من إخلاق الثوب تقطيعه ، وقد خلق الثوب وأخلق .

ويروى بالفاء بمعنى التعويض والبدل ، قال : وهو أشبه . انتهى .

وقال في المطالع : أبلي وأخلفي ، كذا لأبي ذر وأبي زيد المروذي بالفاء ، ولغيرهما بالقاف من إخلاق الثوب .

قال : ومعناه أن يكتسب خلفه بعد بلاه ، يقال خلف الله لك مالا ، وأخلفه وهو الأشهر يعني بالفاء رباعي انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : قوله : أخلقي بقطع الهمزة [ ص: 287 ] والخاء المعجمة والقاف أمر بالإخلاق ، والعرب تطلق ذلك ، وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق .

قال الخليل : أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وارقعها ، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته قال : ووقع في رواية أبي زيد المروذي عن القريري وأخلفي بالفاء ، وهي أوجه من التي بالقاف ; لأن الأولى تستلزم التأكيد ; إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى لكن جاز العطف لتغاير اللفظين ، والثانية تفيد معنى زائدا ، وهو أنه إذا أبلته أخلفت غيره .

وعلى ما قاله الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد . انتهى .

والنظم مبني على رواية القاف بدليل إتيانه بقوله : ويخلف الإله إلخ .

( كذا ) أي كما تقول : أبل وأخلق ويخلف الله سبحانه ( قل ) أنت لأخيك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث الذي ذكرناه آنفا البس جديدا و ( عش حميدا ) ومت شهيدا .

فإن أنت قلت هذا ( تسدد ) أي تصب في الخطاب ، وتوفق لمتابعة سنة النبي الأواب ، فإنها الدين القويم ، والصراط المستقيم ، فمن تمسك بها نجا ، ومن حاد عنها وقع في ظلمات الدجى .

فنسأل الله سبحانه أن يمنحنا نيلها ، ويهدينا سبيلها ، إنه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير .

التالي السابق


الخدمات العلمية