الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6209 ) مسألة قال : ( وإن أصابها في ليالي الصوم ، أفسد ما مضى من صيامه ، وابتدأ الشهرين ) وبهذا قال مالك ، والثوري ، وأبو عبيد ، وأصحاب الرأي ; لأن الله تعالى قال : { فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } . فأمر بهما خاليين عن وطء ، ولم يأت بهما على ما أمر ، فلم يجزئه ، كما لو وطئ نهارا ، ولأنه تحريم للوطء لا يختص النهار ، فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف . وروى الأثرم عن أحمد ، أن التتابع لا ينقطع بهذا ، ويبني . وهو مذهب الشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر ; لأنه وطء لا يبطل الصوم ، فلا يوجب الاستئناف ، كوطء غيرها ، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذي قبله ، من غير فارق ، وهذا متحقق ، وإن وطئ ليلا ، وارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط ، لا يمنع صحته وإجزاءه ، كما لو وطئ قبل الشهرين ، أو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائما ، والإتيان بالصيام قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه ، سواء بنى أو استأنف .

                                                                                                                                            وإن وطئها ، أو وطئ ، غيرها ، في نهار الشهرين عامدا ، أفطر ، وانقطع التتابع إجماعا ، إذا كان غير معذور وإن وطئها ، أو وطئ غيرها ، نهارا ناسيا أفطر ، وانقطع التتابع ، في إحدى الروايتين ; لأن الوطء لا يعذر فيه بالنسيان . وعن أحمد ، رواية أخرى ، أنه لا يفطر ، ولا ينقطع التتابع . وهو قول الشافعي ، وأبي ثور ، وابن المنذر ; لأنه فعل المفطر ناسيا ، أشبه ما لو أكل ناسيا . وإن أبيح له الفطر لعذر ، فوطئ غيرها نهارا لم ينقطع التتابع ; لأن الوطء لا أثر له في قطع التتابع . وإن وطئها ، كان كوطئها ليلا ، هل ينقطع التتابع ؟ على وجهين .

                                                                                                                                            وإن وطئ غيرها ليلا ، لم ينقطع التتابع ; لأن ذلك ليس بمحرم عليه ، ولا هو مخل بإتباع الصوم الصوم ، فلم ينقطع التتابع ، كالأكل ليلا . وليس [ ص: 24 ] في هذا اختلاف نعلمه . وإن لمس المظاهر منها ، أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به ، قطع التتابع ; لإخلاله بموالاة الصيام ، وإلا فلا ينقطع . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية