الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 525 ] ومن قال بالخصم المسخر نصب الشر ثم قطعه ، وذكر شيخنا أيضا ما ذكره القاضي من احتيال الحنفية على سماع البينة من غير وجود مدعى عليه ، فإن المشتري المقر له بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن ، فهو لا يدعي شيئا ولا يدعى عليه شيء ، وإنما غرضه تثبيت الإقرار أو العقد ، والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها ، من غير وجود مدعى عليه ، ومن غير مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل ، فيكون هذا الثبوت حجة بمنزلة الشهادة ، فإن لم يكن القاضي يسمع البينة بلا هذه الدعوى وإلا امتنع من سماعها مطلقا ، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا ، قال شيخنا : وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاحتيال ، وأظن الشافعية موافقيه في إنكار هذا على الحنفية ، مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية والحنبلية دخلوا مع الحنفية في ذلك وسموه الخصم المسخر .

                                                                                                          وأما على أصلنا الصحيح وأصل مالك ، فإما أن نمنع الدعوى على غير خصم منازع فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات ، كما ذكره من ذكره من أصحابنا ، وإما أن تسمع الدعوى والبينة بلا خصم ، كما ذكر طائفة من المالكية والشافعية ، وهو مقتضى كلام الإمام أحمد وأصحابنا في مواضع ، لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع ، وكذا الحاضر في البلد ، في المنصوص ، فمع عدم خصم أولى ، وإنما قال بمحضر من خصمين جاز استماع وقبول البينة من أحدهما على الآخر من اشترط [ ص: 526 ] حضور الخصم في الدعوى والبينة ، ثم احتال لعمل ذلك صورة بلا حقيقة ، ولأن الحاكم يسمع الدعوى والبينة في غير وجه خصم ليكتب به إلى حاكم آخر ، قال : وقال أصحابنا : كتاب الحاكم كشهود الفرع ، قالوا لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقام غيره ، لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام إعلام الشاهدين ، فجعلوا كل واحد من كتاب الحاكم وشهود الفرع قائما مقام غيره ، وهو بدل عن شهود الأصل ، وجعلوا كتاب القاضي كخطابه ، وإنما خصوه بالكتاب لأن العادة تباعد الحاكمين ، وإلا فلو كانا في محل واحد كان مخاطبة أحدهما للآخر أبلغ من الكتاب ، وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده بالشهادة ما لم يحكم به وأنه يعلم به حاكما آخر ليحكم به كما يعلم الفروع بشهادة الأصول ، وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم ، وهو يفيد أن كل ما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبته القاضي بكتابه ، ولأن الناس بهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة ، كإثباتها بشهادة الفروع ، وإثبات القضاة أنفع لأنه كفى مؤنة النظر في الشهود وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف يدفع وإنما يخافون من خصم حادث .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية