الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا فسخت المزارعة بدين فادح لحق صاحب الأرض فاحتاج إلى بيعها جاز ) كما في الإجارة ( وليس للعامل أن يطالبه بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء ) [ ص: 475 ] لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد وهو إنما قوم بالخارج فإذا انعدم الخارج لم يجب شيء ( ولو نبت الزرع ولم يستحصد لم تبع الأرض في الدين حتى يستحصد الزرع ) لأن في البيع إبطال حق المزارع ، والتأخير أهون من الإبطال ( ويخرجه القاضي من الحبس إن كان حبسه بالدين لأنه لما امتنع بيع الأرض لم يكن هو ظالما والحبس جزاء الظلم ) .

التالي السابق


( قوله وإذا فسخت المزارعة بدين فادح لحق صاحب الأرض فاحتاج إلى بيعها جاز كما في الإجارة ) قال في النهاية : ثم هل يحتاج في فسخ المزارعة إلى قضاء القاضي أو إلى الرضا ؟ ذكر في الذخيرة فيه اختلاف الروايات فقال : لا بد لصحة الفسخ من القضاء أو الرضا على رواية الزيادات لأنها في معنى الإجارة ، وعلى رواية كتاب المزارعة والإجارات والجامع الصغير لا يحتاج فيه إلى القضاء ولا إلى الرضا ، بعض مشايخنا المتأخرين أخذوا برواية الزيادات ، وبعضهم أخذ برواية الأصل والجامع الصغير انتهى . وقال في العناية : والتشبيه بالإجارة يشير إلى أنه اختار رواية الزيادات فإنه عليها لا بد لصحة الفسخ من القضاء أو الرضا لأنها في معنى الإجارة ، وعلى رواية كتاب المزارعة والإجارات والجامع الصغير لا يحتاج فيه إلى ذلك انتهى أقول : فيه نظر ، لأن التشبيه بالإجارة إنما يصلح للإشارة إلى أنه اختار رواية الزيادات أن لو كانت الرواية في الإجارة مقصورة على افتقار الفسخ فيها إلى القضاء أو الرضا ، أو كأن المصنف قد اختار هناك صريحا رواية افتقار الفسخ إلى أحدهما ولم يكن شيء منهما ، فإن المصنف قال هناك : ثم قول القدوري فسخ القاضي إشارة إلى أنه يفتقر إلى قضاء القاضي في النقض ، وهكذا ذكر في الزيادات في عذر الدين .

وقال في الجامع الصغير : وكل ما ذكرنا أنه عذر فالإجارة فيه تنتقض ، وهذا يدل على أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي انتهى فتأمل ( قوله وليس للعامل أن يطالبه بما كرب الأرض وحفر الأنهار بشيء ) قال في النهاية : الفسخ بعد عقد المزارعة وعمل العامل يتصور في صور ثلاث ، ذكر في الكتاب صورتين منها ، وهما ما إذا فسخ بعد ما كرب الأرض وحفر الأنهار ، وما إذا فسخ بعد نبات الزرع قبل أن يستحصد ، ولم يذكر ما إذا فسخ بعد ما زرع العامل الأرض إلا [ ص: 475 ] أنه لم ينبت بعد حتى لحق رب الأرض دين فادح هل له أن يبيع الأرض ؟ ذكر في الذخيرة أن فيه اختلاف المشايخ ، وكان الشيخ أبو بكر العتابي يقول له ذلك لأنه ليس لصاحب البذر في الأرض عين مال قائم ، لأن التبذير استهلاك ولهذا قالوا : إن لصاحب البذر فسخ المزارعة لأنه يحتاج إلى استهلاك ماله من غير عوض يحصل له في الحال ، وحصوله في الثاني غير معلوم فكان هذا بمنزلة ما قبل التبذير .

وكان الشيخ أبو إسحاق الحافظ يقول : ليس له ذلك لأن التبذير استنماء مال وليس باستهلاك ; ألا يرى أن الأب والوصي يملكان زراعة أرض الصبي ولا يملكان استهلاك مال الصبي ، وإذا كان كذلك كان للمزارع في الأرض عين مال قائم انتهى . وقال في العناية : لم يذكر المصنف الصورة الثالثة ، وهي ما إذا فسخ بعد ما زرع العامل الأرض إلا أنه لم ينبت حتى لحق رب الأرض دين فادح هل له أن يبيع الأرض ؟ فيه اختلاف المشايخ . قال بعضهم : له ذلك لأنه ليس لصاحب البذر في الأرض عين قائم ، لأن التبذير استهلاك فكان بمنزلة ما قبل التبذير . وقال بعضهم : ليس له ذلك لأن التبذير استنماء وليس باستهلاك ، ولهذا يملك الأب والوصي زراعة أرض الصبي ولا يملكان استهلاك ماله فكان للمزارع في الأرض عين قائم ، ولعل هذا اختيار المصنف ، ولم يذكره لأن البذر إن كان لصاحب الأرض لم يكن فيها مال الغير حتى يكون مانعا عن البيع ، وإن كان للعامل فقد دخلت في الصورة الثانية انتهى . أقول : إن قوله وإن كان للعامل فقد دخلت في الصورة الثانية كلام خال عن التحصيل ، لأنه إن أراد بدخولها في الصورة الثانية دخولها في نفس الصورة الثانية فليس بصحيح جدا ، إذ قد اعتبر في الصورة الثانية نبات الزرع وفي الصورة الثالثة عدم نباته ، فأنى يتصور دخول إحداهما في الأخرى .

وإن أراد بذلك دخولها في حكم الصورة الثانية فهو صحيح على قول بعض المشايخ ، لكن لا يصلح لأن يكون وجها لعدم ذكر تلك [ ص: 476 ] الصورة بالكلية ، لأن دخولها في حكم الصورة الثانية على قول بعض المشايخ إنما يعرف ببيان حكمها من قبل ، وإذا لم يذكر تلك الصورة قط فمن أين يعلم أن حكمها كحكم الصورة الثانية كما قال به بعض المشايخ ، أو كحكم الصورة الأولى كما قال به بعضهم الآخر والأوجه عندي أن المصنف إنما لم يذكر تلك الصورة تأسيا بالإمام محمد رحمه الله ، فإنه لم يذكرها في كتابه كما بينه صاحب الذخيرة حيث قال : وإن كان المزارع قد زرع الأرض إلا أنه لم ينبت بعد حتى لحق رب الأرض دين فادح هل له أن يبيع الأرض ؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذه المسألة في الكتاب ، وقد اختلف المشايخ فيها انتهى




الخدمات العلمية