الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وتفسخ بالأعذار ) لما بينا في الإجارات ، وقد بينا وجوه العذر فيها .

ومن جملتها أن يكون العامل سارقا يخاف عليه سرقة السعف والثمر قبل الإدراك لأنه يلزم صاحب الأرض ضررا لم يلتزمه فتفسخ به . ومنها مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل ، لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه فيجعل ذلك عذرا ، ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا ؟ فيه روايتان . [ ص: 483 ] وتأويل إحداهما أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته ( ومن دفع أرضا بيضاء إلى رجل سنين معلومة يغرس فيها شجرا على أن تكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين لم يجز ذلك ) لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا قبل الشركة لا بعمله ( وجميع الثمر والغرس لرب الأرض وللغارس قيمة غرسه وأجر مثله فيما عمل ) لأنه في معنى قفيز الطحان : إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان فيفسد وتعذر رد الغراس لاتصالها بالأرض فيجب قيمتها وأجر مثله لأنه لا يدخل في قيمة الغراس لتقومها بنفسها [ ص: 484 ]

وفي تخريجها طريق آخر بيناه في كفاية المنتهى ، وهذا أصحهما ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا ؟ فيه روايتان ) قال في العناية : يعني في كون ترك العمل عذرا روايتان : في إحداهما لا يكون عذرا ، ويجبر على [ ص: 483 ] ذلك لأن العقد لازم لا يفسخ إلا من عذر وهو ما يلحقه به ضرر وهنا ليس كذلك ، وفي الأخرى عذر انتهى . أقول : في تفسير كلام المصنف بالوجه المذكور خلل ، إذ يصير حاصل معناه حينئذ في كون ترك العمل عذرا روايتان : إحداهما كونه عذرا والأخرى عدم كونه عذرا فيؤدي إلى كون الشيء ظرفا لنفسه ولنقيضه ولا يخفى بطلان ذلك ، والوجه عندي أن معنى قول المصنف فيه روايتان في جواب هذه المسألة وهي قوله هل يكون عذرا ؟ فيه روايتان : إحداهما بالإيجاب وهو أن يكون عذرا ، والأخرى بالسلب وهو أن لا يكون عذرا فحينئذ لا غبار فيه كما لا يخفى على الفطن ( قوله وتأويل إحداهما أن يشرط العمل بيده فيكون عذرا من جهته ) أقول : فيه أنه إنما يكون عذرا من جهته أن لو ترك ذلك العمل اضطرارا بسبب حدوث مرض أو نحو ذلك ، وأما إذا تركه بالاختيار فلا يظهر وجه كونه عذرا من جهته ، والكلام هاهنا في الترك الاختياري ، لأن الترك الاضطراري إنما يكون بسبب عذر مقرر .

وقد مر مسألة جواز الفسخ بالأعذار رواية واحدة ، فذكر مسألتنا هذه بعدها وبيان وقوع الروايتين فيها يدل على أن المراد بترك ذلك العمل في قوله ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هو الترك الاختياري لا غير فتأمل ( قوله وتعذر رد الغراس لاتصالها بالأرض ) قال صاحب النهاية : يعني لو وقع الغراس وسلمها لم يكن تسليما لشجر الغراس ، بل يكون تسليما لقطعة خشبة ، وهو ما شرط ذلك ، بل شرط تسليم الشجر بقوله على أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين ، فلما لم يمكن تسليمها وهي نابتة وجب رد قيمتها انتهى واقتفى أثره في شرح هذا المحل على هذا المنوال صاحب معراج الدارية وصاحب العناية : واعترض بعض الفضلاء على قولهم لو قلع الغراس وسلمها لم يكن تسليما للشجر بل يكون تسليما لقطعة خشبة حيث قال : فيه بحث ، إذ لا نسلم أنه حينئذ لم يكن تسليما للشجر انتهى .

أقول : منع ذلك مكابرة ، لأن الشجر على ما نص عليه في عامة كتب اللغة ما كان على ساق من نبات الأرض ، فإذا قلع الغراس لم يصدق عليه هذا الحد فلا يطلق عليه لفظ الشجر فلا يكون تسليم المقلوع تسليما للشجر لا محالة بل يكون تسليما لقطعة خشبة كما قاله هؤلاء الشراح ، نعم إن قولهم كان المشروط تسليم الشجر لا تسليم قطعة خشبة مستدرك لا يجدي طائلا هاهنا ، لأن استحقاق الغارس للشجر ليس بمقتضى الشرط بل يكون [ ص: 484 ] الشجر ملكا له كما صرحوا به ، ولهذا يجب على رب الأرض رد قيمة تمام الغراس مع كون المشروط أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين تدبر ترشد ( قوله وفي تخريجها طريق آخر بيناه في كفاية المنتهى ) يعني وفي تخريج هذه المسألة طريق آخر : أي دليل آخر سوى ما ذكرناه في كتابنا هذا من طريق قفيز الطحان بيناه : أي بينا ذلك الطريق الآخر في كفاية المنتهى ، قال كثير من الشراح في تفسير ذلك الطريق : وهو شراء رب الأرض نصف الغراس من العامل بنصف أرضه ، أو شراؤه جميع الغراس بنصف أرضه ونصف الخارج ، فكان عدم جواز هذا العقد لجهالة الغراس نصفها أو جميعها لا لاعتبار معنى الاستئجار الذي هو في معنى قفيز الطحان انتهى ، أقول : يرد على الصورة الثانية مما ذكروه وهي قولهم أو شراؤه جميع الغراس بنصف أرضه ونصف الخارج أنها لا تصلح لأن تكون طريق تخريج هذه المسألة ، لأن وضع هذه المسألة على أن يكون الأرض والشجر بين رب الأرض والغارس نصفين .

وفي الصورة المذكورة يكون جميع الغراس لرب الأرض فلا يتصور المناصفة في الشجر .




الخدمات العلمية