الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( ولا يضحي بالعمياء والعوراء والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك ولا العجفاء ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا تجزئ في الضحايا أربعة : العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها ، والعجفاء التي لا تنقي } قال ( ولا تجزئ مقطوعة الأذن والذنب ) . أما الأذن فلقوله عليه الصلاة والسلام { استشرفوا العين والأذن } أي اطلبوا سلامتهما . وأما الذنب فلأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن . قال ( ولا التي ذهب أكثر أذنها وذنبها ، وإن بقي أكثر الأذن والذنب جاز ) لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا ولأن العيب اليسير لا يمكن التحرز عنه فجعل [ ص: 515 ] عفوا ، واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في مقدار الأكثر . ففي الجامع الصغير عنه : وإن قطع من الذنب أو الأذن أو العين أو الألية الثلث أو أقل أجزأه ، وإن كان أكثر لم يجزه لأن الثلث تنفذ فيه الوصية من غير رضا الورثة فاعتبر قليلا ، وفيما زاد لا تنفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا ، ويروى عنه الربع لأنه يحكي حكاية الكمال على ما مر في الصلاة ، ويروى الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الوصية { الثلث والثلث كثير } وقال أبو يوسف ومحمد : إذا بقي الأكثر من النصف أجزأه اعتبارا للحقيقة على ما تقدم في الصلاة وهو اختيار الفقيه أبي الليث .

وقال أبو يوسف : أخبرت بقولي أبا حنيفة ، فقال قولي هو قولك . قيل هو رجوع منه إلى قول أبي يوسف ، وقيل معناه قولي قريب من قولك . وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف ، ثم معرفة المقدار في غير العين متيسر ، وفي العين قالوا : تشد العين المعيبة بعد أن لا تعتلف الشاة يوما أو يومين ثم يقرب العلف إليها قليلا قليلا ، فإذا رأته من موضع أعلم على ذلك المكان ثم تشد عينها الصحيحة وقرب إليها العلف قليلا قليلا حتى إذا رأته من مكان أعلم عليه . ثم ينظر إلى تفاوت ما بينهما ، فإن كان ثلثا فالذاهب الثلث ، وإن كان نصفا فالنصف

.

التالي السابق


( قوله ولا يضحي بالعمياء والعوراء وإلخ ) قال صاحب النهاية : لما ذكر ما يجوز به الأضحية شرع في بيان ما لا يجوز به الأضحية انتهى . [ ص: 515 ] أقول : هذا ليس بسديد ، إذ لا يذهب عليك أنه لم يذكر فيما قبل ما يجوز به الأضحية ، وإنما يذكره فيما بعد بقوله ويجوز أن يضحي بالجماء والخصي والثولاء إلى آخره . والذي ذكره فيما قبل إنما هو صفة الأضحية من الوجوب أو السنية وشرائطها من الحرية والإسلام ونحوهما ، ومن وجبت عليه الأضحية وعدد من يذبح عنه كل من الشاة والبقرة والبدنة وأول وقت الأضحية وعدد أيامها وما يتعلق بكل واحد من هاتيك الأمور من الفروع والأحكام كما حققه من قبل ، ولعل صاحب العناية تداركه حيث قال في شرح هذا المقام : هذا بيان ما لا يجوز التضحية به ، ولم يتعرض لذكر ما يجوز التضحية به

( قوله واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في مقدار الأكثر إلخ ) أقول تطبيق هذه الروايات عن أبي حنيفة رحمه الله على عبارة مسألة الكتاب مشكل ، لأن عبارتها أكثر أذنها وذنبها بصيغة التفضيل إلى الأذن والذنب ، وهي تقتضي أن يكون الجزء الباقي منها أقل ، وهذا [ ص: 516 ] غير متحقق في شيء من هذه الروايات عنه . أما في رواية الربع ورواية الثلث فظاهر ، إذ لا شك أن الربع ليس بأكثر من ثلاثة أرباع ولا الثلث بأكثر من الثلثين .

وأما في رواية الأكثر من الثلث فلأن الأكثر من الثلث إذ لم يجاوز النصف لم يصر أكثر الكل ، وفي رواية الأكثر من الثلث عنه لم يشترط تجاوز النصف ولا الوصول إلى النصف ، بل اعتبر الزيادة على الثلث في الجملة فلم يلزم في عدم الإجزاء على هذه الرواية أيضا ذهاب أكثر الأذن والذنب ، فكيف يربط قوله واختلفت الرواية عن أبي حنيفة في مقدار الأكثر بما قبله من مسألة الكتاب ، فإن قلت : ليس المراد بالأكثر في عبارة مسألة الكتاب معنى التفضيل ، بل هو بمعنى الكثير كما يرشد إليه قول المصنف في بيان وجه رواية الأكثر من الثلث ، وفيما زاد لا تنفذ إلا برضاهم فاعتبر كثيرا .

وقوله في بيان وجه رواية الثلث لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الوصية { الثلث والثلث كثير } ثم ليس المراد بالكثير أيضا الكثير بالإضافة إلى الجزء الباقي وإلا يعود المحذور ، بل المراد به الكثير في نفسه ، والإضافة إلى الأذن والذنب لمجرد بيان محل [ ص: 517 ] الكثرة ، فحينئذ يمكن تطبيق كل من الروايات المذكورة على عبارة مسألة الكتاب ، قلت : شرط استعمال صيغة التفضيل مجردة عن معنى التفضيل أن تكون عارية عن اللام والإضافة ومن كما تقرر في موضعه .

وفي عبارة مسألة الكتاب وقعت مضافة فلا يصح تجريدها عن معنى التفضيل على قاعدة العربية ، ولئن أغمضنا عن ذلك لا يصح تعليل المصنف تلك المسألة بقوله لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا على تقدير أن يحمل الأكثر على الكثير المطلق ، إذ لو كان للكثير مطلقا حكم الكل بقاء وذهابا لزم أن يعتبر الأذن والذنب باقيا وذاهبا في حالة واحدة ، فيما إذا كان كل واحد من الباقي والذاهب منهما كثيرا في نفسه ، [ ص: 518 ] كما إذا ذهب ربعهما أو ثلثهما أو أكثر من ثلثهما في الجملة على ما وقع في الروايات المذكورة فيلزم جمع الحكمين المتضادين تأمل تقف




الخدمات العلمية