الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس : أن يمسح على الموضع المحاذي لمحل فرض الغسل لا على الساق وأقله ما يسمى مسحا على ظهر القدم من الخف .

وإذا مسح بثلاث أصابع أجزأه والأولى أن يخرج من شبهة الخلاف وأكمله أن يمسح أعلاه وأسفله دفعة واحدة من غير تكرار كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ووصفه أن يبل اليدين ويضع رءوس أصابع اليمنى من يده على رءوس أصابع اليمنى من رجله ويمسحه بأن يجر أصابعه إلى جهة نفسه ويضع رءوس أصابع يده اليسرى على عقبه من أسفل الخف ويمرها إلى رأس القدم .

التالي السابق


(الخامس: أن يمسح على الموضع المحاذي لمحل فرض الغسل لأعلى الساق وأقله ما يسمى مسحا) أي: ما ينطلق عليه اسم المسح (على ظهر القدم من الخف) لا أسفل الرجل فلا يجوز الاقتصار عليه في الأظهر، وقيل: يجوز قطعا، وقيل: لا يجوز قطعا ولا العقب فلا يجزي على المذهب، وقيل: هو أولى بالجواز من الأسفل، وقيل: أولى بالمنع، كذا في الروضة وفي الإفصاح لابن هبيرة، وهل يسن مسح ما حاذى باطن القدمين أيضا؟ فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يسن، وقال مالك والشافعي: يسن، وفي شرح الكنز للزيلعي: لا يجوز مسح باطنه أو عقبه أو ساقيه أو جوانبه أو كعبيه لقول علي - رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه، لكن رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على ظاهرهما خطوطا بالأصابع، وقال أبو حنيفة: يجزئ قدر ثلاث أصابع فصاعدا، فلو مسح بأصبع واحد ثلاث مرات من غير أن يأخذ ماء جديدا لا يجوز، ولو مسح كذلك وأخذ لكل مرة ماء جديدا جاز لوجود المقصود، ولو أصاب موضع المسح ماء أو مطر قدر ثلاث أصابع جاز، ويعتبر قدر ثلاثة أصابع من كل رجل على حدة حتى لو مسح على إحدى رجليه مقدار أصبعين وعلى الأخرى مقدار خمس أصابع لا يجزئه، والمعتبر فيها أصابع اليد على الأصح; لأنها آلة المسح، ومذهب أحمد مسح الأكثر ومالك يرى الاستيعاب (وإذا [ ص: 421 ] مسح بثلاثة أصابع خرج من شبهة الخلاف) مع أبي حنيفة.

(وأكمله أن يمسح أعلاه وأسفله) ولكن ليس استيعاب جميعه سنة على الأصح ويستحب مسح العقب على الأظهر، وقيل: الأصح، وقيل: قطعا، ولو كان عند المسح على أسفل خفه نجاسة لم يجز المسح عليه ويجزئ غسل الخف عن مسحه على الصحيح لكن يكره (دفعة واحدة من غير تكرار) قال النووي: يكره تكرار المسح على الصحيح وعلى الثاني يستحب تكراره ثلاثا كالرأس .

(كذلك فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي: مسح أعلى الخف وأسفله. قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وضعفه وابن ماجه من حديث المغيرة، وهكذا ضعفه البخاري وأبو زرعة . اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والدارقطني والبيهقي وابن الأنبار وكلهم من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة، وفي رواية ابن ماجه عن وراد كاتب المغيرة، قال الأثرم عن أحمد أنه كان يضعفه ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة، ثم قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء ولم يذكر المغيرة فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذا زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد: احرسوا على هذا الحديث .

وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه عن أبي زرعة: حديث الوليد ليس بمحفوظ وقال: موسى بن هارون لم يسمعه ثور عن رجاء، حكاه قاسم بن أصبغ عنه، وقال البخاري في التاريخ الأوسط، حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا محمد بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على خفه ظاهرها. قال: وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة، وكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن أبي الزناد، ورواه الطيالسي عن ابن أبي الزناد، وقال الترمذي: هذا حديث معلوم لم يسنده عن ثور غير الوليد، قال الحافظ في تاريخ الرافعي قد رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن يحيى عن ثور مثل الوليد، وذكر الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه عن ثور كذلك، وقال الترمذي: وسمعت أبا زرعة ومحمدا يقولان ليس بصحيح، وقال أبو داود: لم يسمع ثور عن رجاء، وقال الدارقطني: روي عن عبد الملك بن عمر عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف، وقال ابن حزم: أخطأ فيه الوليد في موضعين، قال الحافظ: ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العلة وهي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن ثور بن زيد، حدثنا رجاء بن حيوة فذكره، فهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء فتزول العلة، ولكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده عن أحمد بن يحيى الحلواني عن داود بن رشيد فقال: عن رجاء ولم يقل: حدثنا رجاء، فهذا الخلاف على داود يمنع من القول بصحة وصله مع ما تقدم في كلام الأئمة .

قال الحافظ: قد روى الشافعي في القديم وفي الإملاء من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله (ووجهه) وفي نسخة: ووسطه (أن يبل اليدين ويضع رءوس أصابع اليد اليمنى على رءوس أصابع رجله اليمنى ويمسحه بأن يجر أصابعه إلى جهة نفسه ويضع رءوس أصابع يده اليسرى على عقبه من أسفل الخف ويمرها إلى رأس القدم) وعبارة الرافعي الأول أن يضع كفه اليسرى تحت العقب واليمنى على رءوس الأصابع، ويمر اليسرى على أطراف الأصابع من أسفل واليمنى إلى الساق، قال: وتروى هذه الكيفية عن ابن عمر. قال الحافظ: كذا، والمحفوظ عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله كذا رواه الشافعي والبيهقي.




الخدمات العلمية