الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 580 ] يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ثم تقضى ديونه ، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله ، ثم يقسم الباقي بين ورثته ، ويستحق الإرث برحم ونكاح وولاء ، والمستحقون للتركة عشرة أصناف مرتبة : ذوو السهام ثم العصبات النسبية ثم السببية وهو المعتق ، ثم عصبته ، ثم الرد ، ثم ذوو الأرحام ، ثم مولى الموالاة ، ثم المقر له بنسب لم يثبت ، ثم الموصى له بما زاد على الثلث ، ثم بيت المال ، والمانع من الإرث : الرق والقتل واختلاف الملتين ، واختلاف الدارين حكما .

التالي السابق


[ ص: 579 ] كتاب الفرائض

وهي جمع فريضة ، فعيلة من الفرض ، وهو في اللغة : التقدير والقطع والبيان . قال تعالى : ( فنصف ما فرضتم ) أي قدرتم ، ويقال : فرض القاضي النفقة : أي قدرها ، وقال - تعالى - : ( سورة أنزلناها وفرضناها ) أي بيناها ، ويقال : فرضت الفأرة الثوب : إذا قطعته . والفرض في الشرع : ما ثبت بدليل مقطوع به كالكتاب والسنة المتواترة والإجماع ، وسمي هذا النوع من الفقه فرائض لأنه سهام مقدرة مقطوعة مبينة ثبتت بدليل مقطوع به فقد اشتمل على المعنى اللغوي أو الشرعي .

وإنما خص بهذا الاسم لوجهين : أحدهما أن الله - تعالى - سماه به ، فقال بعد القسمة : ( فريضة من الله ) والنبي - عليه الصلاة والسلام - أيضا سماه به فقال : " تعلموا الفرائض " ، والثاني أن الله - تعالى - ذكر الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات مجملا ولم يبين مقاديرها ، وذكر الفرائض وبين سهامها وقدرها تقديرا لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فخص هذا النوع بهذا الاسم لهذا المعنى ،والإرث في اللغة البقاء ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " إنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم " أي على بقية من بقايا شريعته ، والوارث الباقي وهو من أسماء الله - تعالى - : أي الباقي بعد فناء خلقه ، وسمي الوارث لبقائه بعد المورث .

[ ص: 580 ] وفي الشرع : انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة ، فكأن الوارث لبقائه انتقل إليه بقية مال الميت . ومن شرف هذا العلم أن الله تولى بيانه وقسمته بنفسه وأوضحه وضوح النهار بشمسه فقال : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) إلى آخر الآيتين ، وقال سبحانه : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) إلى آخر الآية ، فبين فيها أهم سهام الفرائض ومستحقيها ، والباقي يعرف بالاستنباط لمن تأمل فيها ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - أمر بتعليمها وحض عليه فقال : " تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم ، وإنها أول علم يدرس " ، وفي رواية : " أول علم ينتزع من أمتي " ، والأحاديث والآثار في فضله كثيرة .

قال : ( يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه على قدرها ، ثم تقضى ديونه ، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله ، ثم يقسم الباقي بين ورثته ) فهذه الحقوق الأربعة تتعلق بتركة الميت على هذا الترتيب . أما البداية بتجهيزه ودفنه فلأن اللباس وستر العورة من الحوائج اللازمة الضرورية وأنها مقدمة على الديون والنفقات وجميع الواجبات في حالة الحياة ، فكذا بعد الممات وبالإجماع إلا حقا تعلق بعين كالرهن والعبد الجاني ، فإن المرتهن وولي الجناية أولى من تجهيزه ; لأنهما أحق بذلك في حال الحياة من الحوائج الأصلية كستر العورة والطعام والشراب ، فكذا بعد وفاته ، ويكفن في مثل ما كان يلبسه من الثياب الحلال حال حياته على قدر التركة من غير تقتير ولا تبذير اعتبارا لإحدى الحالتين بالأخرى ، ويقدم على الوصية ; لأن الوصية تبرع واللازم أولى ، وعلى الورثة لأن المال إنما ينتقل إليهم عند غنائه ، ألا ترى أن حال حاجته وهي مدة حياته لا ينتقل إليهم ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ، ثم تقضى ديونه من جميع ما بقي من ماله لقوله - تعالى - : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) وأنه يقتضي تأخر القسمة عن الدين والوصية ، ولا يقتضي تقدم أحدهما على الآخر ، فإن من قال : [ ص: 581 ] أعط زيدا بعد عمرو أو بكر لا يقتضي تقدم أحدهما على الآخر لكن يقتضي تأخر زيد عنهما في الإعطاء فكانت الآية مجملة ، وقد بلغنا أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قدم الدين على الوصية فكان بيانا لحكم الآية ، رواه عنه علي رضي الله عنه ، ولأن الدين مستحق عليه ، والوصية تستحق من جهته ، والمستحق عليه أولى لأنه مطالب به ; لأن فراغ ذمته من أهم حوائجه ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " الدين حائل بينه وبين الجنة " ، ولأن أداء الفرائض أولى من التبرعات ، ثم تنفذ وصاياه من ثلث ماله بعد قضاء الدين ، فإن كانت الوصية بعين تعتبر من الثلث وتنفذ ، وإن كانت بجزء شائع كالثلث والربع فالموصى له شريك الورثة يزداد نصيبه بزيادة التركة وينقص بنقصانها فيحسب المال ويخرج نصيب الوصية كما يخرج نصيب الوارث وتقدم على قسمة التركة بين الورثة لما تلونا ، فإن اللفظ يقتضي تأخر القسمة عن الدين والوصية عملا بكلمة " بعد " ، ثم يقسم الباقي بين ورثته على فرائض الله - تعالى - للآيات الثلاث .

قال : ( ويستحق الإرث برحم ونكاح وولاء ) أما الرحم والنكاح فبالكتاب والإجماع ، وأما الولاء فلما يأتي إن شاء الله تعالى .

( والمستحقون للتركة عشرة أصناف مرتبة : ذوو السهام ، ثم العصبات النسبية ، ثم السببية وهو المعتق ، ثم عصبته ، ثم الرد ، ثم ذوو الأرحام ، ثم مولى الموالاة ، ثم المقر له بنسب لم يثبت ) وقد ذكر في الإقرار .

[ ص: 582 ] ( ثم الموصى له بما زاد على الثلث ) وقد مر في الوصايا .

( ثم بيت المال ) لأن المال متى خلا عن مستحق ومالك فمصرفه بيت المال كاللقطة والضال ، وسنذكر لكل صنف فصلا نبين فيه حكمه إن شاء الله تعالى .

قال : ( والمانع من الإرث : الرق والقتل ، واختلاف الملتين ، واختلاف الدارين حكما ) على ما يأتيك بتوفيق الله تعالى .



فصل

في ذوي السهام

وهم أصحاب الفروض ، وهم كل من كان له سهم مقدر في كتاب الله - تعالى - أو في سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - أو بالإجماع ، ويبدأ بهم ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى عصبة ذكر " ، وهم اثنا عشر نفرا : عشرة من النسب ، واثنان من السبب .

أما العشرة من النسب : فثلاثة من الرجال ، وسبعة من النساء .

أما الرجال فالأول الأب ، وله ثلاثة أحوال : الفرض المحض ، وهو السدس مع الابن وابن الابن وإن سفل ، قال الله تعالى : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ) والتعصيب المحض ، وذلك عند عدم الولد وولد الابن ، قال تعالى : ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) فعلمنا أن الباقي للأب وهو آية العصوبة ، والتعصيب والفرض ، وذلك مع البنت وبنت الابن فله السدس بالفرض ، والنصف للبنت ، أو الثلثان للبنتين فصاعدا والباقي له بالتعصيب لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " فما أبقت فلأولى عصبة ذكر " .

[ ص: 583 ] والثاني الجد ، والمراد الجد الصحيح وهو الذي لا يدخل في نسبته إلى الميت أنثى ، وهو بمنزلة الأب عند عدمه على ما يذكر في بابه إن شاء الله تعالى ، ولأن اسم الأب ينطلق عليه ، قال - تعالى - خبرا عن يوسف عليه السلام : ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ) وإسحاق جده وإبراهيم جد أبيه .

والثالث الأخ لأم وله السدس وللاثنين فصاعدا الثلث وإن اجتمع الذكور والإناث استووا في الثلث ، قال - تعالى - : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) وقرأ أبي وسعد بن أبي وقاص - وله أخ أو أخت لأم ، وقراءتهما كروايتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألحق بيانا له ، وعليه إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - .

وأما النساء فالأولى البنت ولها النصف إذا انفردت ، وللبنتين فصاعدا الثلثان ، قال تعالى : ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ) ، قال عامة المفسرين : المراد الثنتان فصاعدا ، وفي الآية تقديم وتأخير تقديره : وإن كن نساء اثنتين فما فوقهما ، ونظيره قوله تعالى : ( فاضربوا فوق الأعناق ) أي الأعناق فما فوقها ، وقيل فوق زائدة في الآيتين ، وعلى ذلك عامة العلماء ، إلا ما روي عن ابن عباس أنه قال : للواحدة النصف ، وللثنتين النصف ، وما زاد فلهن الثلثان عملا بظاهر اللفظ ، وجوابه أنه احتمل أن يراد ما ذكر ، واحتمل ما ذكرنا فوقع الشك فاحتجنا إلى مرجح من خارج وهو معنا في صريح السنة ، وهو ما روي أن سعد بن الربيع أستشهد يوم أحد وترك ابنتين وأخا وامرأة ، فأخذ أخوه المال وكان إذ ذاك يرث الرجال دون النساء ، فجاءت زوجته إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وقالت : يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد قتل يوم أحد وأخذ عمهما المال ولا ينكحان إلا ولهما مال ، فقال - عليه الصلاة [ ص: 584 ] والسلام - : ( ارجعي فلعل الله - تعالى - أن يقضي في ذلك ) فنزلت هذه الآية ، فبعث - عليه الصلاة والسلام - إلى عمهما أن أعطهما ثلثي المال ولأمهما ثمنه والباقي لك فكانت أول ميراث تسم في الإسلام ، ولأن البنت تستحق الثلث مع الابن وهو أقوى حالا منها فلأن تستحقه مع البنت وهي مثلها في القوة والاستحقاق كان أولى ، ولأنا أجمعنا على أن الأختين يستحقان الثلثين ، فلأن يستحقهما البنتان وهما أقرب وألزم كان أولى .

الثانية بنت الابن وللواحدة النصف وللثنتين فصاعدا الثلثان ، فهن كالصلبيات عند عدم ولد الصلب ; لأن اسم الولد ينطلق عليهن حقيقة وشرعا ، فإنه كان السبب في توليدهن إلا أن أولاد الابن يدلون إلى الميت بالابن وبسببه يرثون فيحجبون به كالجد مع الأب والجدات مع الأم ، ولا يلزم أولاد الأم حيث يرثون مع الأم وإن كانوا يدلون بها ; لأن السبب مختلف فإن الأم ترث بالأمومة وهم بالأخوة ولأنها تستحق جميع التركة ، وللواحدة فصاعدا من بنات الابن السدس مع الصلبية تكملة الثلثين لما روى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قضى في بنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وللأخت الباقي " . وبنت ابن الابن مع بنت الابن كبنت الابن مع الصلبية ، وإذا استكملت البنات الثلثين سقط بنات الابن ; لأن حق البنات في الثلثين بنص الكتاب ، وبنات الابن يرثن بالبنتية عند عدم ولد الصلب ، فإذا استكملت الصلبيات الثلثين لم يبق لجهة البنتية نصيب فسقط بنات الابن ، إلا أن يكون في درجتهن أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن فيكون الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، مثاله بنتان وبنت ابن للبنتين الثلثان ، ولا شيء لبنت الابن ، وإن كان مع بنت الابن أخوها أو ابن عمها فللبنتين الثلثان ولبنت الابن وأخيها أو ابن عمها الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين .

بنتان وبنت ابن وبنت ابن ابن وابن ابن ابن ، للبنتين الثلثان والباقي بين بنت الابن ومن دونها للذكر مثل حظ الأنثيين .

[ ص: 585 ] ولو ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض وثلاث بنات ابن ابن بعضهن أسفل من بعض ، وثلاث بنات ابن ابن ابن بعضهن أسفل من بعض ، وصورته إذا كان لابن الميت ابن وبنت ، ولابن ابنه ابن وبنت ، ولابن ابن ابنه ابن وبنت ، فمات البنون وبقي البنات ، وكذلك ثلاث بنات ابن ابن ابن ، وهذه صورتها : ميت .

ابن ابن ابن .

ابن بنت ابن ابن .

ابن بنت ابن بنت ابن .

ابن بنت ابن بنت ابن بنت .

ابن بنت ابن بنت .

ابن بنت .

فالعليا من الفريق الأول لا يوازيها أحد ، والوسطى من الفريق الأول توازيها الوسطى من الفريق الثاني ، والعليا من الفريق الثالث والسفلى من الفريق الثاني توازيها الوسطى من الفريق الثالث ، والسفلى من الفريق الثالث لا يوازيها أحد ، فللعليا من الفريق الأول النصف والسدس تكملة الثلثين للوسطى من الفريق الأول ، والعليا من الفريق الثاني لاستوائهما في الدرجة ولا شيء للباقيات ، فإن كان مع العليا من الفريق الأول غلام فالمال بينه وبينها للذكر مثل حظ الأنثيين وسقط الباقيات .

وإن كان مع الوسطى من الفريق الأول غلام فالنصف للعليا من الفريق الأول ، والباقي بين الغلام ومن في درجته للذكر مثل حظ الأنثيين .

وإن كان مع السفلى من الفريق الأول فالنصف للعليا من الفريق الأول والسدس للوسطى منه مع من يوازيها تكملة الثلثين والباقي بين الغلام ومن يوازيه للذكر مثل حظ الأنثيين وسقط الباقيات وإن كان مع السفلى من الفريق الثاني فالنصف للعليا من الفريق الأول ، والسدس تكملة الثلثين للوسطى منه ولمن يوازيها ، والباقي بين الغلام ومن يوازيه ومن هو أعلى منه ممن لا فرض له للذكر مثل حظ الأنثيين وسقط الباقيات وعلى هذا .

والأصل في هذا أن بنت الابن تصير عصبة بابن الابن سواء كان في درجتها أو أسفل منها [ ص: 586 ] إذا لم تكن صاحبة فرض ; لأن الجارية التي توازي الغلام إنما ورثت بسبب الغلام بعد استكمال الصلبيات الثلثين لأنها لولاه لما ورثت ، فلأن ترث بسبب جارية أقرب منه إلى الميت كان أولى . وأما صاحبة الفرض فقد استقلت بالفرض فلا تصير تابعة لمن هو أسفل منها في الاستحقاق ، وهذا الفصل يسمى التشبيب ، إما لأن التشبيب الوصف والبيان ، ومنه التشبيب في الشعر لأنه ذكر وصف النساء وبيان صفاتهن ، أو لترتيب درجات بنات الابن بنتا تحت بنت كأنجاش الشبابة ، وهذه نبذة منه ، والباقي يعرف بالتأمل ، والقياس عليه .

والثالثة الأم ، ولها ثلاثة أحوال : السدس مع الولد وولد الابن واثنين من الإخوة والأخوات من أي جهة كانوا ، والثلث عند عدم هؤلاء ، قال - تعالى - : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) وقال ابن عباس : إنما يحجبها من الثلث إلى السدس ثلاثة من الإخوة فصاعدا نظرا إلى لفظ الجمع ، وجوابه أن الجمع يذكر بمعنى التثنية ، قال - تعالى - : ( فقد صغت قلوبكما ) ، ولأن الجمع من الاجتماع وأنه يتحقق باجتماع الاثنين . وروي أن ابن عباس قال لعثمان - رضي الله عنهما - : إن الله - تعالى - حجب بالإخوة ، والاثنان في اللسان ليسا بإخوة فقال : قد كان ذلك قبلي فلا أستطيع أن أدرأه ، فدل أنه كان إجماعا . وثلث ما يبقى بعد فرض الزوج والزوجة في مسألتين : زوج وأبوان ، أو زوجة وأبوان لها في المسألة الأولى السدس وفي الثانية الربع ، وتسميان العمريتين ; لأن عمر - رضي الله عنه - أول من قضى فيهما ، وخالف ابن عباس فيهما جميع الصحابة فقال : لها الثلث نظرا إلى قوله - تعالى - : ( فلأمه الثلث ) ، ولنا قوله - تعالى - : ( وورثه أبواه فلأمه الثلث ) جعل لها ثلث ما يرثه الأبوان ، وإنما يرثان في هاتين المسألتين [ ص: 587 ] الباقي بعد فرض الزوجين فيكون لها ثلثه وهو ما ذكرنا ، ولأنا لو أعطيناها ثلث الكل أدى إلى تفضيل الأنثى على الذكر مع استوائهما في سبب الاستحقاق والقرب وأنه خلاف الأصول ، ولو كان مكان الأب جدا في المسألتين فلها الثلث كاملا ، وفيه رواية أخرى تأتي في باب الجد إن شاء الله تعالى ، ووجهه أنها أقرب من الجد لأنها تدلي إلى الميت بغير واسطة والجد يدلي بواسطة الأب ، والتفاضل يجوز عند اختلاف القرب كزوجة وأخت لأبوين وأخ لأب ، للزوجة الربع ، وللأخت النصف ، وللأخ ما بقي وهو الربع .

والرابعة الجدة الصحيحة كأم الأم وإن علت ، وأم الأب وإن علا وكل من يدخل في نسبتها أب بين أمين فهي فاسدة ، وللواحدة الصحيحة السدس لما روي : أن جدة أم أم جاءت إلى أبي بكر - رضي الله عنه - وطلبت ميراثها فقال : لا أجد لك في كتاب الله شيئا ولم أسمع فيك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فارجعي حتى أسأل لك أصحابي أو أرى فيك رأيي ، فصلى الظهر ثم خطب فقال : هل سمع أحد منكم شيئا في الجدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقام المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - فقال : أشهد أني أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى للجدة السدس .

وفي رواية : أطعم الجدة السدس ، فقال : هل معك شاهد آخر ؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ما شهد به المغيرة ، فقضى لها بالسدس .

وجاءت أم أب في زمن عمر - رضي الله عنه - فقضى لها بالسدس ، ولو اجتمعن وتحاذين فلهن السدس أيضا ، لما روي : " أنه - عليه الصلاة والسلام - أطعم ثلاث جدات السدس " رواه الطحاوي ، وتمامه يذكر في فصل الجدات إن شاء الله تعالى .

الخامسة الأخوات لأب وأم ، للواحدة النصف ، وللثنتين فصاعدا الثلثان ، لقوله تعالى : ( إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ) ، ثم قال ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ) .

السادسة : الأخوات لأب ، وهن كالأخوات لأبوين عند عدمهن ; لأن اسم الأخت في [ ص: 588 ] الآية يتناول الكل ، إلا أن الإخوة والأخوات لأبوين يقدمون لقوة القرابة لأنهم يدلون بجهتين ، وعند عدمهم جرينا على قضية النص وللواحدة فصاعدا من الأخوات لأب السدس مع الأخت لأبوين تكملة الثلثين ، وهن مع الأخوات لأبوين كبنات الابن مع الصلبيات فيحجبون بالأخ من الأبوين وبالأخ والأخت ، ولا يحجبون بالأخت الواحدة كما تقدم ، وإذا استكمل الأخوات من الأبوين الثلثين سقط الأخوات من الأب ، إلا أن يكون معهن أخ فيعصبهن ، والوجه فيه ما مر في بنات الابن .

السابعة : الأخوات لأم ، فللواحدة السدس ، وللثنتين فصاعدا الثلث ، وتمامه مر في الأخ لأم .

وأما الاثنان من السبب فالزوج والزوجة ، فللزوج النصف عند عدم الولد وولد الابن ، والربع مع الولد أو ولد الابن ، وللزوجة الربع عند عدمهما ، والثمن مع أحدهما بذلك نطق صريح الكتاب ، والزوجات والواحدة يشتركن في الربع والثمن لقوله تعالى : ( فلهن ) وهو اسم جمع وعليه الإجماع .



فصل

[ من اجتمع فيه قرابتان ]

ومن اجتمع فيه قرابتان : لو تفرقتا في شخصين ورثا ورث بهما ويجعل كشخصين إذ كل واحدة مستقلة في سبب الاستحقاق .

مثاله : ماتت عن زوج وهو ابن عمها النصف له بالزوجية والباقي بالعمومة .

ماتت عن ابني عم أحدهما أخ لأم فللأخ السدس بالأخوة والباقي بينهما بالعمومة ، ولو ماتت عن ابني عم أحدهما زوج فللزوج النصف والباقي بينهما بالعمومة .

مات عن أختين إحداهما معتقة ، فالثلثان بينهما بالأخوة والباقي للمعتقة وهذا بالإجماع .

أما الجدات ، قال أبو يوسف : يقسم بينهما باعتبار الأبدان ، وعند محمد باعتبار الجهات . مثاله : جدتان إحداهما لها قرابتان كأم أم الأم وهي أم أبي أب ، والأخرى لها قرابة واحدة كأم أم الأب فالسدس بينهما نصفان عند أبي يوسف وعند محمد أثلاثا . وصورته : امرأة تزوج ابن ابنها بنت بنتها فأولدها ابنا فهذه أم أم أم هذا الابن وهي أم أبي أبيه ، وكذا لو تزوج ابن بنتها [ ص: 589 ] بنت بنت لها أخرى فأولدها ابنا كانت أم أم أمه وأم أم أبيه ، فإن تزوج هذا الابن بنت بنت بنت لها أخرى فأولدها ابنا صارت أم أم أم أمه وأم أم أم أبيه ، فيكون لها ثلاث جهات ، ولو تزوج هذا الابن بنت بنت بنت بنت لها أخرى فأولدها ابنا كانت جدة له من أربع جهات ، وعلى هذا يمكن تكثير الجهات .




الخدمات العلمية