الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6406 ) فصل : وإذا أذن لها زوجها للسفر لغير النقلة ، فخرجت ثم مات زوجها ، فالحكم في ذلك كالحكم في سفر الحج ، على ما ذكرنا من التفصيل . وإذا مضت إلى مقصدها ، فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت إليه ، وتنقضي حاجتها من تجارة أو غيرها . وإن كان خروجها لنزهة أو زيارة ، أو لم يكن قدر لها مدة ، فإنها تقيم إقامة المسافر ثلاثا ، وإن قدر لها مدة ، فلها إقامتها ; لأن سفرها بحكم إذنه ، فكان لها إقامة ما أذن لها فيه ، فإذا مضت مدتها ، أو قضت حاجتها ، ولم يمكنها الرجوع ; لخوف أو غيره ، أتمت العدة في مكانها ، وإن أمكنها الرجوع ، لكن لا يمكنها الوصول إلى منزلها حتى تنقضي عدتها ، لزمتها الإقامة في مكانها ; لأن الاعتداد وهي مقيمة أولى من الإتيان بها في السفر .

                                                                                                                                            وإن كانت تصل وقد بقي من عدتها شيء ، لزمها العود ; لتأتي بالعدة في مكانها . ( 6407 ) فصل : وإن أذن الزوج لها في الانتقال إلى دار أخرى ، أو بلد آخر ، فمات قبل انتقالها ، لزمها الاعتداد في الدار التي هي بها ; لأنها بيتها ، وسواء مات قبل نقل متاعها أو بعده ; لأنها مسكنها ، ما لم تنتقل عنه . وإن مات بعد انتقالها إلى الثانية ، اعتدت فيها ; لأنها مسكنها ، وسواء كانت قد نقلت متاعها ، أو لم تنقله .

                                                                                                                                            وإن مات وهي بينهما ، فهي مخيرة ; لأنها لا مسكن لها منهما . فإن الأولى قد خرجت عنها منتقلة ، فخرجت عن كونها مسكنا لها ، والثانية لم تسكن بها ، فهما سواء . وقيل : يلزمها الاعتداد في الثانية ; لأنها المسكن الذي أذن لها زوجها في السكنى به . وهذا يمكن في الدارين ، فأما إذا كانا بلدين ، لم يلزمها الانتقال إلى البلد الثاني بحال ; لأنها إنما كانت تنتقل لغرض زوجها في صحبتها إياه ، وإقامتها معه ، فلو ألزمناها ذلك بعد موته ، لكلفناها السفر الشاق ، والتغرب عن وطنها وأهلها ، والمقام مع غير محرمها ، والمخاطرة بنفسها ، مع فوات الغرض ، وظاهر حال الزوج أنه لو علم أنه يموت ، لما نقلها ، فصارت الحياة مشروطة في النقلة .

                                                                                                                                            فأما إن انتقلت إلى الثانية ، ثم عادت إلى الأولى لنقل متاعها ، فمات زوجها وهي بها ، فعليها الرجوع إلى الثانية ; لأنها صارت مسكنها بانتقالها إليها ، وإنما عادت إلى الأولى لحاجة ، والاعتبار بمسكنها دون موضعها . وإن مات وهي في الثانية ، فقالت : أذن لي زوجي في السكنى بهذا المكان . وأنكر ذلك الورثة ، أو قالت : إنما أذن لي زوجي في المجيء إليه ، لا في الإقامة به . وأنكر ذلك الورثة ، فالقول قولها ; لأنها أعرف بذلك منهم . وكل موضع قلنا : يلزمها السفر عن بلدها . فهو مشروط بوجود محرمها مسافرا معها ، والأمن على نفسها ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تسافر مسيرة يوم وليلة ، إلا مع ذي محرم من أهلها } . أو كما قال . ( 6408 )

                                                                                                                                            مسألة : قال : ( وإذا طلقها زوجها ، أو مات عنها ، وهو ناء عنها ، فعدتها من يوم مات أو طلق ، إذا صح ذلك عندها ، وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة ) [ ص: 136 ] هذا المشهور في المذهب ، وأنه متى مات زوجها أو طلقها ، فعدتها من يوم موته وطلاقه . قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أعلمه ، أن العدة تجب من حين الموت والطلاق ، إلا ما رواه إسحاق بن إبراهيم وهذا قول ابن عمر ، وابن عباس ، وابن مسعود ، ومسروق ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وطاوس ، وسليمان بن يسار ، وأبي قلابة ، وأبي العالية ، والنخعي ، ونافع ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور وأصحاب الرأي وعن . أحمد : إن قامت بذلك بينة ، فكما ذكرنا . وإلا فعدتها من يوم يأتيها الخبر .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز . ويروى عن علي ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ، وخلاس بن عمرو ، أن عدتها من يوم يأتيها الخبر ; لأن العدة اجتناب أشياء ، وما اجتنبتها .

                                                                                                                                            ولنا ، أنها لو كانت حاملا ، فوضعت حملها غير عالمة بفرقة زوجها ، لانقضت عدتها ، فكذلك سائر أنواع العدد ; ولأنه زمان عقيب الموت أو الطلاق ، فوجب أن تعتد به ، كما لو كان حاضرا ، ولأن القصد غير معتبر في العدة ، بدليل أن الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتهما من غير قصد ، ولم يعدم هاهنا إلا القصد ، وسواء في هذا اجتنبت ما تجتنبه المعتدات ، أو لم تجتنبه ، فإن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة ، فلو تركته قصدا ، أو عن غير قصد ، لانقضت عدتها ، فإن الله تعالى قال : { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } . وقال : { فعدتهن ثلاثة أشهر } . وقال : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } . وفي اشتراط الإحداد مخالفة هذه النصوص ، فوجب أن لا يشترط .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية