الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 258 ] قالوا حديثان متناقضان .

        39 - صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشعار .

        قالوا : رويتم عن الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في شعرنا أو لحفنا " . ثم رويتم عن وكيع عن طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالليل وأنا إلى جانبه ، وأنا حائض وعلي مرط لي وعليه بعضه " . وهذا تناقض واختلاف .

        قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس في هذين الحديثين اختلاف ولا تناقض ، لأنه قيل في الحديث الأول : كان لا يصلي في شعرنا وهو جمع شعار ، والشعار : ما ولي الجسد من الثياب ، ولا يسمى شعارا حتى يلي الجسد .

        ويدلك على ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار : أنتم لي شعار ، [ ص: 259 ] والناس دثار يريد أنكم أقرب الناس إلي كالشعار الذي يلي الجسد ، والناس دثار أي : أبعد منكم ، كما أن الدثار فوق الشعار ، والشعار يصيبه المني والعرق والندى ، إذا كان بالمرء قاطر بول ، أو بدرت منه بادرة ، فكان لا يصلي في شعر نسائه ، لما لا يؤمن أن ينالها إذا هو جامع أو إذا استثقلت المرأة ، أو إذا حاضت من الدم .

        وقيل في الحديث الثاني : أنه كان يصلي بالليل وأنا إلى جانبه ، وعلي مرط لي وعليه بعضه . والمرط لا يكون شعارا ، كما يكون الإزار شعارا ، لأنه كساء من صوف ، وربما كان من شعر ، وربما كان من خز ، وإنما يلقى فوق الإزار .

        قال أبو محمد : ومما يوضح لك هذا ، حديث حدثنيه عبدة بن عبد الله ، قال حدثنا محمد بن بشر العبدي قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود والمرحل الموشى ، ويقال لذلك العمل : الترحيل .

        قال امرؤ القيس وذكر امرأته : .


        فقمت بها أمشي تجر وراءنا على أثرينا ذيل مرط مرحل

        ومما يوضح لك أن المرط لم يكن شعارا لعائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : كان يصلي وعليه بعض المرط ، وعليها بعضه . ولو كان شعارا لانكشفت منه ، لأن الشعار لطيف لا يصلح لأن يصلى فيه ، وتكون هي مستورة به .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية