الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم

                                                                                                                                                                                                                                        (61) أي: ومن هؤلاء المنافقين الذين يؤذون النبي بالأقوال الردية، والعيب له ولدينه، ويقولون هو أذن أي: لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي، ويقولون: إذا بلغه عنا بعض ذلك، جئنا نعتذر إليه، فيقبل منا، لأنه أذن، أي: يقبل كل ما يقال له، لا يميز بين صادق وكاذب، وقصدهم -قبحهم الله- فيما بينهم، أنهم غير مكترثين بذلك، ولا مهتمين به، لأنه إذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم، وإن بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل.

                                                                                                                                                                                                                                        فأساءوا كل الإساءة من أوجه كثيرة، أعظمها أذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم، وإخراجهم من الشقاء والهلاك إلى الهدى والسعادة.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: عدم اهتمامهم أيضا بذلك، وهو قدر زائد على مجرد الأذية.

                                                                                                                                                                                                                                        ومنها: قدحهم في عقل النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم إدراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب، وهو أكمل الخلق عقلا وأتمهم إدراكا، وأثقبهم رأيا وبصيرة، ولهذا قال تعالى: قل أذن خير لكم أي: يقبل من قال له خيرا وصدقا.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما إعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكذب، فلسعة خلقه، وعدم اهتمامه بشأنهم ، وامتثاله لأمر الله في قوله: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس .

                                                                                                                                                                                                                                        وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه، فقال عنه: يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين الصادقين المصدقين، ويعلم الصادق من الكاذب، وإن كان كثيرا يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم، ورحمة للذين آمنوا منكم فإنهم به يهتدون، وبأخلاقه يقتدون.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما غير المؤمنين فإنهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها، فخسروا دنياهم وآخرتهم، والذين يؤذون رسول الله بالقول أو الفعل لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 664 ] (62) يحلفون بالله لكم ليرضوكم فيتبرأوا مما صدر منهم من الأذية وغيرها، فغايتهم أن ترضوا عليهم. والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه ورضا رسوله، فدل هذا على انتفاء إيمانهم حيث قدموا رضا غير الله ورسوله.

                                                                                                                                                                                                                                        (63) وهذا محادة لله ومشاقة له، وقد توعد من حاده بقوله: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله بأن يكون في حد وشق مبعد عن الله ورسوله بأن تهاون بأوامر الله، وتجرأ على محارمه.

                                                                                                                                                                                                                                        فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم الذي لا خزي أشنع ولا أفظع منه، حيث فاتهم النعيم المقيم، وحصلوا على عذاب الجحيم عياذا بالله من حالهم .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية