الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامسة : لم يزل العلماء يستدلون بهذه الآية على الاستثناء . وفي الدلالة بها غموض . فلهذا قال القرافي في قواعده : اتفق الفقهاء على الاستدلال بقوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } . ووجه الدليل منه في غاية الإشكال . فإن " إلا " ليست للتعليق ، و " أن " المفتوحة ليست للتعليق . فما بقي في الآية شيء يدل على التعليق مطابقة ولا التزاما . فكيف يصح الاستدلال بشيء لا يدل على ذلك ؟ وطول الأيام يحاولون الاستدلال بهذه الآية ، ولا يكاد يتفطن لوجه الدليل منها . وليس فيها إلا الاستثناء ، و " أن " الناصبة لا الشرطية . ولا يفطنون لهذا الاستثناء من أي شيء هو ؟ وما هو المستثنى منه ؟ فتأمله . فهو في غاية الإشكال . وهو أصل في اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال .

[ ص: 153 ] والجواب ، أنا نقول : هذا استثناء من الأحوال . والمستثنى حالة من الأحوال . وهي محذوفة قبل " أن " الناصبة . وعاملة فيها أعني الحال عاملة في " أن " الناصبة . وتقريره : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } في حالة من الأحوال إلا معلقا بأن يشاء الله ، ثم حذفت " معلقا " والباء من " أن " فيكون النهي المتقدم مع " إلا " المتأخرة قد حصرت القول في هذه الحال دون سائر الأحوال . فتختص هذه الحال بالإباحة ، وغيرها بالتحريم . وترك المحرم واجب وليس شيء هناك يترك به الحرام إلا هذه . فتكون واجبة . فهذا مدرك الوجوب . وأما مدرك التعليق : فهو قولنا " معلقا " فإنه يدل على أنه تعليق في تلك الحالة كما إذا قال " لا تخرج إلا ضاحكا " فإنه يفيد الأمر بالضحك للخروج . وانتظم " معلقا " مع " أن " بالباء المحذوفة ، واتجه الأمر بالتعليق على المشيئة من هذه الصيغة عند الوعد بالأفعال . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية