الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثاني : وهو أن وقوع الطلاق بالكنايات الظاهرة ، هل يكون رجعيا إذا لم يرد به ثلاثا ، فعندما يكون رجعيا إن أراد به واحدة أو اثنتين ، أو لم تكن له نية في عدده .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يكون بائنا ، لا يملك فيه الرجعة استدلالا بأن قوله : أنت بائن لفظ يقتضي البينونة فوجب أن يقع الطلاق به بائنا كالثلاث ، ولأنه لا يخلو أن يعمل هذا اللفظ في وقوع الطلاق ، فيجب أن يقع على مقتضاه ، وإن لم يعمل تجردت النية عن لفظ عامل ، فيجب ألا يقع به طلاق .

                                                                                                                                            ودليلنا حديث ركانة بن عبد يزيد حين طلق امرأته سهيمة البتة ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عما أراد بـ " البتة " فقال : واحدة ، فأحلفه عليها ، وردها عليه ، فدل على أنها لا تكون ثلاثا . فخالف قول مالك وتكون رجعية بخلاف قول أبي حنيفة ، وروي أن المطلب بن حنطب [ ص: 161 ] طلق امرأته البتة ، فقال له عمر أمسك عليك زوجك ، فإن الواحدة لا تبت ، وهذا دليل عليهما ، وروي أنه قال : فإن الواحدة تبت ، يعني بانقضاء العدة إن لم يمسك .

                                                                                                                                            وروي أن التوأمة طلق امرأته البتة فقال عمر : ما أردت قال : واحدة فاستحلفه ، فقال : أتراني أقيم على فرج حرام ، فأحلفه وأقره على نكاحه ، وليس يعرف لعمر في هذا مخالف ، فكان إجماعا على مالك وأبي حنيفة ، لأن وقوع الطلاق إذا تجرد عن عدد وعوض ، كان رجعيا في المدخول بها ، قياسا على قوله : أنت طالق ، أو اعتدي أو استبرئي رحمك ، أو أنت واحدة ، فإن أبا حنيفة وافق على هذه الأربع أنه يملك بها الرجعة ، ولأنها معتدة يلحقها الطلاق فوجب أن يملك رجعتها كالمطلقة بالصريح ، وبما ذكرنا من الكناية ، ولأن ما لا يتعلق بصريح الطلاق لم يتعلق بكنايته ، لتحريم الثلاث ، ولأن ما لم يمنع صريحه من الرجعة لم تمنع كنايته من الرجعة لقوله : أنت واحدة ، هو كناية أنت طالق .

                                                                                                                                            ولأن صريح الطلاق من كنايته فلما لم يرفع الصريح الرجعة ، فأولى ألا ترفعها الكناية ، ولأنه لو نوى بالطلاق صريح أنه بائن لم يرفع الرجعة ، فإذا تجرد لفظ البائن عن الصريح ، فأولى ألا يرفع الرجعة ، فأما استدلاله بأنه لفظ يقتضي البينونة ، فمنتقض بقوله : أنت طالق ولا رجعة لي عليك ، تكون طالقا وله الرجعة ، فلم يرتفع بهذا اللفظ ، وإن كان مقتضيا للبينونة ثم المعنى في الأصل الذي هو الثلاث ، استيفاء العدد ، وأما استدلاله بأنه إذا وقع به الطلاق وقع مقتضاه ، فمنتقض بلفظ الطلاق ، لأنه يقتضي طلاقا من جنسه ، وقد يكون رجعيا لا يخرج به من جنسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية