الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      إسنادها صحيح .

                                                                                      محمد بن حميد الرازي : حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض ، كان فيها نسر وحوت ، لم يكن غيرهما ، فلما رأى النسر آدم - وكان يأوي إلى الحوت يبيت عنده - فقال : يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ، ويبطش بيديه . قال : لئن كنت صادقا ما لي في البحر منه منجى ، ولا لك في البر .

                                                                                      وروي عن سعيد بن جبير ، قال : لو فارق ذكر الموت قلبي ، لخشيت أن يفسد علي قلبي .

                                                                                      وعنه ، قال : إنما الدنيا جمع من جمع الآخرة .

                                                                                      رواه ضمرة بن ربيعة عن هشام عنه .

                                                                                      قال ابن فضيل ، عن بكير بن عتيق ، قال : سقيت سعيد بن جبير شربة من عسل في قدح ، فشربها ثم قال : والله لأسألن عنه . قلت : لم ؟ قال : شربته وأنا أستلذه .

                                                                                      وعن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : شهدت مقتل سعيد ، فلما بان [ ص: 335 ] رأسه قال : لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله ، ولم يتم الثالثة .

                                                                                      همام بن يحيى ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي معشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد ولي ذؤابة ، فقال : يا غلام ، إنه لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام ، فإذا صلى الإمام ، فصل بعدها ركعتين ، وأطل القراءة .

                                                                                      شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : قال ابن عباس لسعيد بن جبير : حدث . قال : أحدث وأنت هاهنا ؟ ! قال : أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد ، فإن أصبت فذاك ، وإن أخطأت ، علمتك .

                                                                                      يعقوب القمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : ربما أتيت ابن عباس ، فكتبت في صحيفتي حتى أملأها ، وكتبت في نعلي حتى أملأها ، وكتبت في كفي .

                                                                                      قال جعفر بن أبي المغيرة : كان ابن عباس بعدما عمي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه ، يقول : تسألوني وفيكم ابن أم دهماء ! - يعني سعيد بن جبير .

                                                                                      وقال أيوب السختياني ، عن سعيد بن جبير ، قال : كنت أسأل ابن عمر في صحيفة ، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه . [ ص: 336 ] الثوري ، عن أسلم المنقري ، عن سعيد بن جبير ، قال : سأل رجل ابن عمر عن فريضة ، فقال : ائت سعيد بن جبير ; فإنه أعلم بالحساب مني ، وهو يفرض فيها ما أفرض .

                                                                                      عبد الواحد بن زياد ، حدثنا أبو شهاب ، قال : كان يقص لنا سعيد بن جبير كل يوم مرتين : بعد الفجر وبعد العصر .

                                                                                      قيس بن الربيع ، عن الصعب بن عثمان ، قال : قال سعيد بن جبير : ما مضت علي ليلتان منذ قتل الحسين إلا أقرأ فيهما القرآن ، إلا مريضا أو مسافرا .

                                                                                      إسرائيل ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان لا يدع أحدا يغتاب عنده .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : رأيت سعيد بن جبير يصلي في الطاق ، ولا يقنت في الصبح ، ويعتم ، ويرخي لها طرفا من ورائه شبرا .

                                                                                      قلت : الطاق : هو المحراب .

                                                                                      قال هلال بن خباب : رأيت سعيد بن جبير أهل من الكوفة .

                                                                                      قال محمد بن سعد كان الذي قبض على سعيد بن جبير والي مكة خالد بن عبد الله القسري ، فبعث به إلى الحجاج ، فأخبرنا يزيد عن عبد [ ص: 337 ] الملك بن أبي سليمان ، قال سمع خالد بن عبد الله صوت القيود فقال : ما هذا ؟ قيل : سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما يطوفون بالبيت ، فقال : اقطعوا عليهم الطواف .

                                                                                      وأنبأنا عبيد الله بن موسى ، أنبأنا الربيع بن أبي صالح ، قال : دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحجاج ، فبكى رجل ، فقال سعيد : ما يبكيك ؟ قال : لما أصابك ، قال : فلا تبك ، كان في علم الله أن يكون هذا ، ثم تلا : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .

                                                                                      حماد بن زيد ، عن أيوب : سئل سعيد بن جبير عن الخضاب بالوسمة فكرهه ، وقال : يكسو الله العبد النور في وجهه ، ثم يطفئه بالسواد .

                                                                                      الحسين بن حميد بن الربيع : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : رأيت سعيدا بمكة فقلت : إن هذا قادم - يعني خالد بن عبد الله - ولست آمنه عليك ، قال : والله لقد فررت حتى استحييت من الله .

                                                                                      قلت : طال اختفاؤه ، فإن قيام القراء على الحجاج كان في سنة اثنتين وثمانين ، وما ظفروا بسعيد إلى سنة خمس وتسعين ; السنة التي قلع الله فيها الحجاج .

                                                                                      [ ص: 338 ] قال أبو بكر بن عياش : فأخبرني يزيد بن أبي زياد ، قال : أتينا سعيدا فإذا هو طيب النفس ، وبنته في حجره فبكت ، وشيعناه إلى باب الجسر فقال الحرس له : أعطنا كفيلا فإنا نخاف أن تغرق نفسك ، قال : فكنت فيمن كفل به . قال أبو بكر : فبلغني أن الحجاج قال : ائتوني بسيف عريض .

                                                                                      قال سليمان التيمي : كان الشعبي يرى التقية ، وكان ابن جبير لا يرى التقية ; وكان الحجاج إذا أتي بالرجل - يعني ممن قام عليه - قال له : أكفرت بخروجك علي ؟ فإن قال نعم ، خلى سبيله . فقال لسعيد : أكفرت ؟ قال : لا . قال : اختر أي قتلة أقتلك . قال : اختر أنت ; فإن القصاص أمامك .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، قال : قلت لسعيد بن جبير : ما تقول للحجاج ؟ قال : لا أشهد على نفسي بالكفر .

                                                                                      ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، قال : إن في النار لرجلا ينادي قدر ألف عام : يا حنان يا منان . فيقول : يا جبريل أخرج عبدي من النار ، قال : فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع فيقول : يا رب إنها عليهم مؤصدة فيقول : يا جبريل ارجع ففكها فأخرج عبدي من النار ، فيفكها ، فيخرج مثل الخيال ، فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما .

                                                                                      إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كان نبي الله سليمان إذا قام في مصلاه رأى شجرة نابتة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخرنوب . قال : لأي شيء أنت ؟ فقالت : لخراب هذا البيت . فقال : [ ص: 339 ] اللهم عم عليهم موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب . قال فنحتها عصا يتوكأ عليها ، فأكلتها الأرضة فسقطت ، فخر ، فحزروا أكلها الأرضة ، فوجدوه حولا ، فتبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين - وكان ابن عباس يقرأها هكذا - فشكرت الجن الأرضة ، فكانت تأتيها بالماء حيث كانت .

                                                                                      قرأته على إسحاق بن أبي بكر ، أنبأنا يوسف بن خليل ، أنبأنا أحمد بن محمد التيمي ، أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، حدثنا إبراهيم بن طهمان إسناده حسن .

                                                                                      أخبرنا يحيى بن أحمد الجذامي ، ومحمد بن حسين الفوي ، قالا : أنبأنا محمد بن عماد ، أنبأنا عبد الله بن رفاعة ، أنبأنا أبو الحسن الخلعي ، أنبأنا شعيب بن عبد المنهال ، حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد ، كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة .

                                                                                      هذا حديث حسن غريب ، أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله الرقي .

                                                                                      [ ص: 340 ] قال خلف بن خليفة ، عمن حدثه : إن سعيد بن جبير لما ندر رأسه هلل ثلاث مرات يفصح بها .

                                                                                      يحيى بن حسان التنيسي حدثنا صالح بن عمر ، عن داود بن أبي هند ، قال : لما أخذ الحجاج سعيد بن جبير قال : ما أراني إلا مقتولا وسأخبركم : إني كنت أنا وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء ، ثم سألنا الله الشهادة ، فكلا صاحبي رزقها ، وأنا أنتظرها ، قال : فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء .

                                                                                      قلت : ولما علم من فضل الشهادة ثبت للقتل ولم يكترث ، ولا عامل عدوه بالتقية المباحة له ، رحمه الله تعالى .

                                                                                      أحمد بن داود الحراني ، حدثنا عيسى بن يونس ، سمعت الأعمش يقول : لما جيء بسعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأصحابهما ، دخلت عليهم السجن ، فقلت : جاء بكم شرطي أو جليويز من مكة إلى القتل أفلا كتفتموه وألقيتموه في البرية ؟ ! فقال سعيد : فمن كان يسقيه الماء إذا عطش .

                                                                                      محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : حدثنا أبي ، سمعت مالكا يقول : حدثني ربيعة عن سعيد بن جبير ، وكان سعيد من العباد العلماء ، قتله الحجاج ، وجده في الكعبة وناسا فيهم طلق بن حبيب ، فسار بهم إلى العراق ، فقتلهم عن غير شيء تعلق عليهم به إلا العبادة ، فلما قتل سعيد بن جبير ، خرج منه دم كثير حتى راع الحجاج ، فدعا طبيبا قال له : ما بال دم هذا [ ص: 341 ] كثير ؟ قال : إن أمنتني أخبرتك ، فأمنه ، قال : قتلته ونفسه معه .

                                                                                      عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، قال : كان أعلمهم بالقرآن مجاهد ، وأعلمهم بالحج عطاء ، وأعلمهم بالحلال والحرام طاوس ، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب ، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير .

                                                                                      أبو أسامة عن الأعمش : حدثني مسعود بن الحكم قال : قال لي علي بن الحسين : أتجالس سعيد بن جبير ؟ قلت : نعم . قال : لأحب مجالسته وحديثه . ثم أشار نحو الكوفة وقال : إن هؤلاء يشيرون إلينا بما ليس عندنا .

                                                                                      جرير ، عن أشعث بن إسحاق قال : كان يقال : سعيد بن جبير جهبذ العلماء .

                                                                                      الأصبغ بن زيد قال : كنت إذا سألت سعيد بن جبير عن حديث ، فلم يرد أن يحدثني ، قال : كيف تباع الحنطة ؟

                                                                                      محمد بن أحمد بن البراء : حدثنا علي بن المديني ، قال : ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير . قيل : ولا طاوس ؟ قال : ولا طاوس ولا أحد .

                                                                                      وكان قتله في شعبان سنة خمس وتسعين . ومن زعم أنه عاش تسعا وأربعين سنة لم يصنع شيئا ، وقد مر قوله لابنه : ما بقاء أبيك بعد سبع [ ص: 342 ] وخمسين . فعلى هذا يكون مولده في خلافة أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

                                                                                      أخبرنا يوسف بن أحمد ، وعبد الحافظ بن بدران ، قالا : أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد ، أنبأنا علي بن أحمد بن البسري أنبأنا أبو طاهر المخلص ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكرم : " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك " .

                                                                                      وبه ، إلى المخلص ، حدثنا عبد الله البغوي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا يعقوب القمي ، حدثنا جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : سلونا ; فإنكم لن تسألونا عن شيء إلا وقد سألنا عنه ، فقال رجل : أفي الجنة غناء ؟ قال : فيها أكمات من مسك ، عليهن جوار يحمدن الله عز وجل بأصوات لم تسمع الآذان بمثلها قط

                                                                                      أخبرنا المسلم بن محمد ، وابن أبي عمر كتابة ، أن عمر بن محمد أخبرهم ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن شداد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب عن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أوحى الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أني قد قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا ، وسبعين ألفا .

                                                                                      [ ص: 343 ] هذا حديث نظيف الإسناد ، منكر اللفظ . وعبد الله وثقه ابن معين وخرج له مسلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية