الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1330 149 - حدثنا عمر بن حفص قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال أبو لهب عليه لعنة الله للنبي صلى الله عليه وسلم : تبا لك سائر اليوم ! فنزلت : تبت يدا أبي لهب وتب .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " قال أبو لهب عليه لعنة الله " ، وقال ابن عباس ذكر أبا لهب باللعنة عليه وهو من شرار الموتى . وقال الإسماعيلي : هذا الحديث مرسل ; لأن هذه الآية الكريمة نزلت بمكة المشرفة وكان ابن عباس إذ ذاك صغيرا . انتهى ، بل كان على بعض الأقوال غير موجود .

                                                                                                                                                                                  واعترض على البخاري في تخريجه هذا الحديث في هذا الباب ; لأن تبويبه له يدل على العموم في شرار المؤمنين والكافرين ، وكأنه نسي حديث أنس " مروا بجنازة فأثنوا عليها شرا . . . " الحديث ، فترك النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيهم عن ذكر الشر يدل أن للناس أن يذكروا الميت بما فيه من شر إذا كان شره مشهورا ، وأجيب بأنه يحتمل أن يريد الخصوص فطابقت الآية الترجمة ، أو يريد العموم قياسا للمسلم المجاهر بالشر على الكافر لأن المسلم الفاسق لا غيبة له ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : قد مر الجواب عنه في الباب السابق بأوجه من هذا وأوضح .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة قد ذكروا غير مرة ، وأبو عمر شيخ البخاري هو حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها مات سنة خمس أو ست وتسعين ومائة ، والأعمش هو سليمان ، وعمرو بن مرة - بضم الميم وتشديد الراء - مر في باب تسوية الصفوف .

                                                                                                                                                                                  وفيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين .

                                                                                                                                                                                  وأورد هذا الحديث هاهنا مختصرا ، وسيأتي في التفسير مطولا في سورة الشعراء ، فإنه أخرجه في التفسير عن علي بن عبد الله ومحمد بن سلام - فرقهما - كلاهما عن أبي معاوية . وفيه وفي مناقب قريش بتمامه . وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي كريب عن أبي أسامة به ، وعن أبي بكر وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية به . وأخرجه الترمذي في التفسير عن هناد بن السري وأحمد بن منيع كلاهما عن معاوية نحوه ، وأخرجه النسائي فيه عن هناد وعن إبراهيم بن يعقوب عن عمرو بن حفص [ ص: 232 ] به ، وفيه وفي اليوم والليلة عن أبي كريب عن أبي معاوية به .

                                                                                                                                                                                  وقال البخاري في تفسير الشعراء : لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ، فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي - لبطون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ! قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ! وفي تفسير " تبت " : فهتف يا صباحاه ! فقالوا : من هذا ؟ فاجتمعوا إليه . وفيه : فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ! ثم قام ، فنزلت : تبت يدا أبي لهب وقد تب . هكذا قرأ الأعمش ، وفي تفسير الطبري : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا ابن زيد ، قال أبو لهب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ماذا أعطى يا محمد إن آمنت بك ؟ قال : كما يعطى المسلمون . قال : فما لي فضل عليهم ؟ تبا لهذا من دين أكون أنا وهؤلاء سواء ! فأنزل الله تبارك وتعالى : تبت يدا أبي لهب قال خسرت يداه ، واليدان هاهنا العمل ، ألا تراه يقول : بما عملت أيديهم . وفي تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنه : فلما دعاهم أقبلوا إليه يسعون من كل ناحية واكتنفوه ، فقالوا : يا محمد ، لماذا دعوتنا ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أنذركم خاصة والناس عامة . فقالوا : قد أجبناك لما دعوتنا . قال : كلمة تقرؤون بها تملكون العرب وتدين لكم بها العجم . فقال أبو لهب من بينهم : وعشر كلمات لله أبوك ! فما هي ؟ قال : لا إله إلا الله . فقال أبو لهب : تبا لك ! ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت : تبت يدا أبي لهب - أي صغرت يداه .

                                                                                                                                                                                  وفي معاني القرآن العظيم للقزاز : في قراءة عبد الله " وقد تب " ; فالأول دعاء والثاني خبر ، كما تقول للرجل أهلكك الله وقد أهلكك .

                                                                                                                                                                                  وفي المعاني للزجاج : دعا عمومته وقدم إليهم صحفة فيها طعام ، فقالوا : أحدنا وحده يأكل الشاة وإنما قدم لنا هذه ! فأكلوا منها جميعا ولم ينقص منها إلا الشيء اليسير ، فقالوا له : ما لنا عندك إن اتبعناك ؟ قال : ما للمسلمين ، وإنما يتفاضلون في الدين . فقال أبو لهب : تبا لك . . . الحديث .

                                                                                                                                                                                  وفي كتاب الأفعال : تب ضعف وخسر ، وتب هلك ، وفي القرآن : وما كيد الكافرين إلا في تباب .

                                                                                                                                                                                  وأبو لهب كنيته واسمه عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، مات كافرا .

                                                                                                                                                                                  وفي التلويح : واختلف في أبي لهب هل هو لقب له أو كنية له ؟ فالذي عند ابن إسحاق والكلبي في آخرين أن عبد المطلب لقبه بذلك لحمرة خديه وتوقدهما كالجمر ، وفي حديث رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للهب بن أبي لهب واسمه عبد العزى : أكلك كلب الله . فأكله الأسد ، وهو دال على أنه كني بابنه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( تبا ) مفعول مطلق يجب حذف عامله ; أي هلاكا وخسارا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( سائر اليوم ) منصوب بالظرفية ; أي باقي اليوم أو باقي الأيام جميعها ، وفي تفسير النسفي : سورة تبت مكية ، وهي سبعة وسبعون حرفا وثلاث وعشرون كلمة وخمس آيات .

                                                                                                                                                                                  قوله ( تبت ) ; أي خابت وخسرت يدا أبي لهب ، أخبر عن يديه وأراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم كناه والكنية مكرمة ؟ قلت : فيه ثلاثة أوجه ; أحدها : أن يكون مشتهرا بالكنية دون الاسم . والثاني : أنه كان اسمه عبد العزى فعدل عنه إلى كنيته . والثالث : أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى النار ذات لهب وافقت حاله كنيته ، وكان جديرا بأن يذكر بها . وقرئ " تبت يدا أبو لهب " كما قيل علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع ، والله تعالى أعلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية