الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في الاسترجاع عند المصيبة : ويحسن الاسترجاع في قطع شسعه وتخصيص حاف بالطريق الممهد ( ويحسن ) أي يشرع ويسن ( الاسترجاع ) أي قول : إنا لله وإنا إليه راجعون ويقرأ الاسترجاع في عبارة النظم بالنقل للوزن ( في قطع شسعه ) أي في قطع شسع نعله ، وهو بكسر الشين المعجمة أحد سيور النعل ، وهو [ ص: 332 ] الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في طرف النعل المشدود في الزمام ، وهو السير الذي يعقد فيه الشسع ، والجمع شسوع مثل حمل وحمول .

روى أبو محمد الخلال رحمه الله ورضي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع فإنها مصيبة } .

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته } والوصب والنصب التعب .

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله عز وجل بها عنه حتى الشوكة يشاكها } .

قال الشيخ شمس الدين المينحي في كتابه ( تسلية أهل المصائب ) ، وهو من أئمة المذهب : قد جعل الله - سبحانه كلمات الاسترجاع وهي قول المصاب إنا لله وإنا إليه راجعون ملجأ وملاذا لذوي المصائب .

وعصمة للممتحنين من الشيطان ، لئلا يتسلط على المصاب فيوسوس له بالأفكار الرديئة ، فيهيج ما سكن ويظهر ما كمن ، فإذا لجأ إلى هذه الكلمات الجامعات لمعاني الخير والبركة فقد اعتصم بها من وسوسة الشيطان ، فإن قوله إنا لله توحيد وإقرار بالعبودية والملك ، وقوله : وإنا إليه راجعون إقرار بأن الله يهلكنا ثم يبعثنا ، فهو إيمان بالبعث بعد الموت ، وهو إيمان أيضا بأن له الحكم في الأولى وله المرجع في الأخرى ، فهو من اليقين أن الأمر كله لله فلا ملجأ منه إلا إليه .

ثم قال : ليعلم العبد ويتحقق أن نفسه وأهله وماله وولده ملك لله عز وجل حقيقة ، وقد جعله الله عند العبد عارية فإذا أخذه منه فهو كالمعير يأخذ عاريته من المستعير .

وأيضا فإنه محفوف بعدمين عدم قبله وعدم بعده .

وملك العبد له متعة معارة في زمن يسير .

وأيضا فإنه ليس هو الذي أوجده عن عدم حتى يكون ماله حقيقة ، ولا هو الذي يحفظه من الآفات بعد وجوده ، ولا يبقى عليه وجوده ، فليس له فيه تأثير ، ولا ملك حقيقي .

وأيضا فإنه [ ص: 333 ] متصرف فيه بالأمر تصرف العبد المأمور المنهي لا تصرف الملاك ، ولهذا لا يباح له من التصرفات فيه إلا ما وافق أمر مالكه الحقيقي ، ثم إن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ، ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ويأتي ربه يوم القيامة فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ، ولا مال ولا عشيرة ، ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات .

فإذا كانت هذه بداية العبد ، وما خوله فيه ونهايته وحاله فيه ، فكيف يفرح العبد بولد أو مال أو غير ذلك من متاع الدنيا ، أم كيف يأسى على مفقود ؟ .

ففكرة العبد في بدايته ونهايته من أعظم علاج المصائب .

ومن علاجه أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .

قال تعالى { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور } .

ومن تأمل هذه الآية الكريمة وجد فيها شفاء ودواء لكل مصيبة . انتهى . .

التالي السابق


الخدمات العلمية