الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
منكرات الشوارع.

فمن المنكرات المعتادة فيها وضع الأسطوانات وبناء الدكات متصلة بالأبنية المملوكة وغرس الأشجار وإخراج الرواشن ، والأجنحة ووضع الخشب وأحمال الحبوب والأطعمة على الطرق فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة وإن لم يؤد إلى ضرر أصلا لسعة الطريق فلا يمنع منه نعم يجوز وضع الحطب وأحمال الأطعمة في الطريق في القدر الذي ينقل إلى البيوت فإن ذلك يشترك في الحاجة إليه الكافة ولا يمكن المنع منه .

وكذلك ربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق وينجس المجتازين منكر يجب المنع منه إلا بقدر حاجة النزول والركوب .

وهذا لأن الشوارع مشتركة المنفعة ، وليس لأحد أن يختص بها إلا بقدر الحاجة والمرعى هو الحاجة التي ترد الشوارع لأجلها في العادة دون سائر الحاجات .

ومنها سوق الدواب وعليها الشوك بحيث يمزق ثياب الناس فذلك منكر إن أمكن شدها وضمها بحيث لا تمزق أو أمكن العدول بها إلى موضع واسع وإلا فلا منع إذ حاجة أهل البلد تمس إلى ذلك نعم لا تترك ملقاة على الشوارع إلا بقدر مدة النقل .

وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقه منكر يجب منع الملاك منه .

وكذلك ذبح القصاب إذا كان يذبح في الطريق حذاء باب الحانوت ويلوث الطريق بالدم فإنه منكر يمنع منه بل حقه أن يتخذ في دكانه مذبحا فإن في ذلك تضييقا بالطريق وإضرارا بالناس بسبب ترشيش النجاسة وبسبب ، استقذار الطباع للقاذورات وكذلك طرح القمامة على جواد الطرق وتبديد قشور البطيخ أو رش الماء بحيث يخشى منه التزلق والتعثر كل ذلك من المنكرات وكذلك إرسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط في الطريق الضيقة ، فإن ذلك ينجس الثياب .

أو يضيق الطريق ، فلا يمنع منه في الطرق الواسعة إذ العدول عنه ممكن ، فأما ترك مياه المطر والأوحال والثلوج في الطرق من غير كسح فذلك منكر ولكن ليس يختص به شخص معين إلا الثلج الذي يختص بطرحه على الطريق واحد ، والماء الذي يجتمع على الطريق من ميزاب معين ، فعلى صاحبه على الخصوص كسح الطريق إن كان من المطر فذلك حسبة عامة ، فعلى الولاة تكليف الناس القيام بها وليس للآحاد فيها إلا الوعظ فقط وكذلك إذا كان له كلب عقور على باب داره يؤذي الناس فيجب منعه منه وإن كان لا يؤذي إلا بتنجيس الطريق وكان يمكن الاحتراز عن نجاسته لم يمنع منه وإن كان يضيق الطريق ببسطه ذراعيه ، فيمنع منه ، بل يمنع صاحبه من أن ينام على الطريق أو يقعد قعودا يضيق الطريق ، فكلبه أولى بالمنع .

[ ص: 58 ]

التالي السابق


[ ص: 58 ] * (منكرات الشوارع) *

وهي الطرق العامة شرعت لسلوك الناس ومرورهم فيها لحاجاتهم (فمن المعتاد فيها وضع الأسطوانات) جمع أسطوانة وهي الأعمدة سواء كانت من حجر أو خشب أو بناء، (وبناء الدكات) جمع دكة وهي الموضع المرتفع المبني من طين وآجر أو حجر أو خشب، وفي نسخة الدكاك، وفي بعض النسخ الدكاكين (متصلة بالأبنية المملوكة) للغير، (و) كذا (غرس الأشجار، و) كذا (إخراج القوابيل) جمع قابول هو الساباط، قال صاحب المصباح: هكذا استعمله الغزالي وتبعه الرافعي ولم أظفر بنقل فيه اهـ .

قلت: ما أنكره صاحب المصباح يمكن توجيهه على كلام العرب، فإنهم يقولون: أنزل بقبل هذا الجبل محركة أي سفحه ومرتفعه من أصله كالسند، وقد أشرت إليه في شرحي على القاموس، وفي بعض النسخ الرواشن، (والأجنحة) جمع جناح وهو على التشبيه بجناح الطير الذي هو بمنزلة اليد من الإنسان (ووضع الخشب) ، ووضع (أحمال الحبوب والأطعمة) والبقول (على الطرق فكل ذلك منكر إن كان يؤدي إلى تضييق الطرق واستضرار المارة) بها، (وإن لم يؤد إلى ضرر أصلا لسعة الطريق فلا يمنع منه) لزوال العلة، (نعم يجوز وضع الحطب وأحمال الأطعمة) والثياب (في الطريق في القدر الذي ينقل إلى البيوت) في كل يوم من دقيق وأرز وحنطة وفول وشعير وخضروات، (فإن ذلك يشترك في الحاجة إليه الكافة) من الناس، (ولا يمكن المنع منه وكذلك ربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق) على المارة، (وينجس المجتازين) بالبول والروث (منكر يجب المنع منه إلا بقدر حاجة النزول والركوب) ويلتحق بذلك تسيير الدواب فيها إن لم يكن داخل البيت واسعا (وهذا لأن الشوارع مشتركة المنفعة، وليس لأحد أن يختص بها إلا بقدر الحاجة) الداعية (والمرعي هو الحاجة التي تراد الشوارع لأجلها دون سائر الحاجات) في العادة فلا ينبغي لأحد من المارة أن يضايق أحدا منهم في المرور لأن كلا منهم له حق فيها على وجه الاشتراك، (ومنها سوق الدواب وعليها الشوك بحيث تمزق الثياب فذلك منكر إن أمكن شدها وضمها بحيث لا تمزق الثياب وأمكن العدول بها إلى موضع واسع) أو طريق خال من الناس، وللولاة أن يأمروا بتلك الأحمال أن يدخلوا بها ليلا أو في وقت الهاجرة حيث يقيل الناس أو في أول النهار قبل طلوع الشمس، (وإلا فلا منع إذ حاجة أهل البلد تمس إليه) لأفرانهم (نعم لا تترك ملقاة على الشوارع إلا بقدر مدة النقل) إلى البيوت، (وكذلك تحميل الدواب من الأحمال ما لا تطيقها منكر يجب منع الملاك منه) ، ويؤمر بتخفيفها (وكذلك القصاب إذا كان يذبح في الطريق حذاء باب الحانوت) أي في مقابلته، (ويلوث الطريق بالدم) والفرث (منكر يجب المنع منه بل حقه أن يتخذ في مكانه مذبحا) أي موضعا معدا للذبح، (فإن ذلك تضييق) على المارة، (وإضرار بسبب ترشيش النجاسة، وإضرار بسبب استقذار الطباع للقاذورات وكذلك طرح القمامة) وفي نسخة الكناسة وفي معناها الحيوان الميت من هرة أو دجاجة أو غيرهما (على جواد الطريق) وفي نسخة جوانب الطريق، (وتبديد قشور البطيخ أو رش الماء بحيث يخشى منه التزلق) للأقدام (والتعثر) بالأذيال (كل ذلك من المنكرات) ، وفي كل ذلك ما ذكر من التضييق والإضرار، (وكذلك إرسال الماء من المزاريب) وهي مسايل المياه من السطوح (المخرجة من الحائط في الطرق الضيقة، فإن ذلك ينجس الثياب أو يضيق الطريق، فلا يمنع منه فى الطريق الواسعة إذ العدول عنه) إلى ممر آخر (ممكن، فأما ترك مياه الطرق والأوحال) عقيب الأمطار [ ص: 59 ] (و) ترك (الثلوج في الطرق) في البلاد الشمالية (من غير كسح) وكنس، (فذلك منكر ولكن ليس يختص به شخص معين) بل على العامة (إلا الثلج الذي يختص بطرحه على الطريق واحد، والماء الذي يجتمع على الطريق من مزراب معين، فعلى صاحبه على الخصوص كسح الطريق وإن كان من المطر فذلك حسبة عامة، فعلى الولاة تكليف الناس القيام بها وليس للآحاد فيها إلا الوعظ) ، ويلحق بهذا كسح ما زاد في الطرق على وجه الأرض كل سنة بسبب مشي الناس لتساوي الطريق وبرفع ما نشر، وهذا كذلك حسبة عامة يكلف كل إنسان ما حاذى منزله أو دكانه كما هو معروف في شوارع القاهرة، (وكذلك إذا كان له كلب عقور على باب داره يؤذي الناس) ويعقرهم، (فيجب منعه منه وإن كان لا يؤذي إلا بتنجيس الطريق وكان يمكن الاحتراز عن نجاسته لم يمنع منه وإن كان يضيق الطريق ببسط ذراعيه، فيمنع منه، بل يمنع صاحبه أن ينام على الطريق أو يقعد قعودا يضيق الطريق، فكلبه أولى بالمنع) لأن الشوارع إنما جعلت مشتركة المنافع لعامة الناس .




الخدمات العلمية