الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6679 ) فصل : ويشترط لوجوب القصاص في الجروح ثلاثة أشياء : أحدها : أن يكون عمدا محضا ، فأما الخطأ فلا قصاص فيه إجماعا ، لأن الخطأ لا يوجب القصاص في النفس ، وهي الأصل ، ففيما دونها أولى . ولا يجب بعمد الخطأ ، وهو أن يقصد ضربه بما لا يفضي إلى ذلك غالبا ، مثل أن يضربه بحصاة لا يوضح مثلها ، فتوضحه ، فلا يجب به القصاص ; لأنه شبه العمد ، ولا يجب القصاص إلا بالعمد [ ص: 252 ] المحض .

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : يجب به القصاص ، ولا يراعى فيه ذلك ; لعموم الآية . الثاني : التكافؤ بين الجارح والمجروح ، وهو أن يكون الجاني يقاد من المجني عليه لو قتله ، كالحر المسلم مع الحر المسلم ، فأما من لا يقتل بقتله ، فلا يقتص منه فيما دون النفس له ، كالمسلم مع الكافر ، والحر مع العبد ، والأب مع ابنه ; لأنه لا تؤخذ نفسه بنفسه ، فلا يؤخذ طرفه بطرفه ، ولا يجرح بجرحه ، كالمسلم مع المستأمن . الثالث : إمكان الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة ; لأن الله تعالى قال : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } . وقال : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } .

                                                                                                                                            ولأن دم الجاني معصوم إلا في قدر جنايته ، فما زاد عليها يبقى على العصمة ، فيحرم استيفاؤه بعد الجناية ، كتحريمه قبلها ، ومن ضرورة المنع من الزيادة المنع من القصاص ; لأنها من لوازمه ، فلا يمكن المنع منها إلا بالمنع منه . وهذا لا خلاف فيه نعلمه . وممن منع القصاص فيما دون الموضحة الحسن ، والشافعي ، وأبو عبيد ، وأصحاب الرأي . ومنعه في العظام عمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، والنخعي ، والزهري ، والحكم ، وابن شبرمة ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإن الجرح الذي يمكن استيفاؤه من غير زيادة ، هو كل جرح ينتهي إلى عظم ، كالموضحة في الرأس والوجه ، ولا نعلم في جواز القصاص في الموضحة خلافا ، وهي كل جرح ينتهي إلى العظم في الرأس والوجه ; وذلك لأن الله تعالى نص على القصاص في الجروح ، فلو لم يجب هاهنا ، لسقط حكم الآية ، وفي معنى الموضحة كل جرح ينتهي إلى عظم فيما سوى الرأس والوجه ، كالساعد ، والعضد ، والساق ، والفخذ ، في قول أكثر أهل العلم . وهو منصوص الشافعي .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابه : لا قصاص فيها ; لأنه لا يقدر فيها . وليس بصحيح ، لقول الله تعالى : { والجروح قصاص } . ولأنه أمكن استيفاؤها بغير حيف ولا زيادة ، لانتهائها إلى عظم ، فهي كالموضحة ، والتقدير في الموضحة ليس هو المقتضي للقصاص ، ولا عدمه مانعا ، وإنما كان التقدير في الموضحة لكثرة شينها ، وشرف محلها ; ولهذا قدر ما فوقها من شجاج الرأس والوجه ، ولا قصاص فيه ، وكذلك الجائفة أرشها مقدر ، لا قصاص فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية