الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              315 [ ص: 107 ] 20 - باب: لا تقضي الحائض الصلاة وقال جابر وأبو سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم: "تدع الصلاة". [انظر: 304 - 1557] .

                                                                                                                                                                                                                              321 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة قال: حدثتني معاذة، أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يأمرنا به. أو قالت: فلا نفعله. [ مسلم: 335 - فتح: 1 \ 421] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              أما حديث أبي سعيد فسلف قريبا في باب ترك الحائض الصوم، ولفظه: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ " قلن: بلى، وسيأتي أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث جابر، فلا يحضرني من أسنده، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من حديث ابن عمر ونبه على حديث أبي سعيد ولم يذكر لفظه وذكر سنده خاصة، ثم ذكر عن المقبري، عن أبي هريرة [ ص: 108 ] مرفوعا بمثل حديث ابن عمر.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري رحمه الله:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا همام قال: حدثنا قتادة قال: حدثتني معاذة، أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يأمرنا به. أو قالت: فلا نفعله.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث أخرجه مع البخاري مسلم والأربعة، وعند مسلم ما يرجح أن معاذة السائلة نفسها إذ فيه: عن معاذة قالت: سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسال. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، وفي لفظ آخر: قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تؤمر بقضاء. وفي لفظ آخر: قد كن نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحضن أفأمرهن أن يجزين؟ قال محمد بن جعفر: تعني: يقضين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 109 ] ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              معاذة هذه بنت عبد الله عابدة تابعية ثقة وفي هذه الرواية -أعني: رواية البخاري - تصريح سماع قتادة من معاذة، وهو رد على ما ذكره شعبة وأحمد ويحيى بن معين وغيرهم لم يسمع منها.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              قولها (أتجزي) أي: أتقضي كما قد جاء في رواية أخرى، (وصلاتها) بالنصب؛ لأنه مفعول يقضي (وإحدانا) فاعله.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قولها (أحرورية أنت؟) هو بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى نسبة إلى حروراء يمد ويقصر، قرية على ميلين من الكوفة، كان اجتماع الخوارج به وتعاهدوا هناك، ثم استعمل حتى كثر استعماله في كل خارج، وهذه الطائفة أنكروا على علي تحكيمه أبا موسى الأشعري في أمر معاوية وقالوا: شككت في أمر الله وحكمت عدوك.

                                                                                                                                                                                                                              وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف [ ص: 110 ] وليهم ابن الكواء عبد الله ، فبعث إليهم علي ابن عباس، فناظرهم فرجع منهم ألفان وبقي ستة آلاف، فخرج إليهم علي، فقاتلهم وكانوا يشددون في الدين.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: قضاء الصلاة على الحائض؛ إذ لم تسقط في كتاب الله عنها على أصلهم في رد السنة على خلاف بينهم في المسألة، وقد أجمع المسلمون على ضلالهم كما سلف، وأنه لا صلاة تلزمها ولا قضاء عليها، إنما قالت عائشة لها ذلك لمخالفتهم السنة وخروجهم عن الجماعة، فخافت عليها وقالت ذلك؛ لأن السنة خلاف ما سألت.

                                                                                                                                                                                                                              ثم إن معاذة أوردت السؤال على غير جهة السؤال المجرد، بل صنيعها يشعر بإنكار أو تعجب؛ فلذلك أجابتها عائشة بذلك، فقالت: لا، ولكني أسأل، أي: أسأل سؤالا مجردا عن ذلك لطلب مجرد العلم والحكم، فأجابتها بالنص ولم تتعرض للمعنى؛ لأنه أبلغ وأقوى في الردع عن مذهب الخوارج وأنفع لمن يعارض بخلاف المعاني المناسبة، فإنها عرضة للمعارضة، واكتفت عائشة في ذلك بكون (لم نؤمر) فيحتمل أن يكون أخذت إسقاط القضاء من سقوط الأداء، ويكون مجرد ذلك دليلا على سقوطه إلا أن يوجد معارض، وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم.

                                                                                                                                                                                                                              والأقرب أن يكون السبب في ذلك، أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم، فإن الحيض يتكرر، فلو وجب القضاء، لوجب بيانه وحيث لم يتبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به. قال الأصحاب: كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى إلا ركعتي الطواف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 111 ] ثم الجمهور على أنها كانت مخاطبة بالصوم في زمن الحيض، وإنما يجب عليها القضاء بأمر جديد، وهو قول بعض الحنفية وعامتهم أنه يجب بالأمر الأول وهو قول أحمد ووجه لأصحابنا، وحكى القرطبي عن سمرة أنه كان يأمر النساء بقضاء صلاة الحائض، فأنكرت ذلك أم سلمة وكان قوم من فقهاء السلف يأمرونها أن تتوضأ عند أوقات الصلاة، وتذكر الله وتستقبل القبلة جالسة.

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ذلك عن عقبة بن عامر ومكحول، وعن "منية المفتي" أنه يستحب لها عند وقت كل صلاة أن تتوضأ وتجلس في مسجد بيتها تسبح وتهلل مقدار أداء الصلاة، لو كانت طاهرة؛ حتى لا تبطل عادتها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية