الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى وأما العرايا وهو بيع الرطب على النخل بالتمر على الأرض خرصا فإنه يجوز للفقراء ، فيخرص ما على النخل من الرطب وما يجيء منه من التمر إذا جف ، ثم يبيع ذلك بمثله تمرا ويسلمه [ إليه ] قبل التفرق ، والدليل عليه ما روى محمود بن لبيد قال : { قلت لزيد بن ثابت : ما عراياكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس ، وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم ، يأكلونها رطبا } .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث زيد بن ثابت في العرايا ثابت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ، ولفظ البخاري ومسلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 333 ] رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا } ، وألفاظ أخر غير ذلك ( وأما ) ما ذكره المصنف من رواية محمود بن لبيد فلم أرها إلا في كلام الشافعي رضي الله عنه فيها فيما ذكر محمود بن لبيد قال : " { سألت زيد بن ثابت عن عراياهم هذه التي يحلونها فقال : فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل عن قوت سنتهم ، فأرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا } . وقال الشافعي أيضا في كتاب البيوع من الأم : " قيل لمحمود بن لبيد ، أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره : ما عراياكم هذه ؟ قال : فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار " وذكر معنى ما تقدم ، ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي كذلك معلقا ، ولم يذكر له إسنادا يتصل به ، وأشار ابن حزم إلى تضعيفه بقوله : إن الشافعي ذكر فيه حديثا لا يدري أحد منشأه ولا مبدأه ولا طريقه ، وذكره أيضا بغير إسناد ، فبطل أن يكون فيه حجة ، يعني في اختصاصها بالفقراء وهذا سيأتي الكلام فيه ، والمقصود هنا أنها تجوز للفقراء ، وذلك لا نزاع فيه ، وقد ذكر الترمذي هذا المعنى من غير تعيين رواية ، قال : لما ذكر حديث العرايا في جامعه : " ومعنى هذا عند بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد التوسعة عليهم في هذا لأنهم شكوا إليه وقالوا : لا نجد ما نشتري من التمر إلا بالتمر ، فرخص لهم فيما دون خمسة أوسق أن يشتروها فيأكلوها رطبا " . لكن يحتمل أن يكون مراد الترمذي ببعض العلماء الشافعي وقال الماوردي : ولم يسنده الشافعي لأنه نقله من السير .

                                      وجعلت أولاد الصحابة الذين ولدوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدود أيضا [ منهم ] من الصحابة على الصحيح ، فهو صحابي ابن صحابي من كبار العلماء وقوله : ما عراياكم هذه ؟ لأن زيدا كان أكبر منه وأعلم بسنن [ ص: 334 ] النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبينها له وقد رأيت في الوافي في شرح المهذب كلاما لولا تفرق النسخ لكنت أزلته غيرة . قال : سمعت فقيها يقول : إن محمود بن لبيد ساعتئذ كان يهوديا فلذلك قال هذا الكلام ، وكان الواجب أن يمحى هذا من الكتاب لولا تفرق النسخ ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعوذ بالله أن نقول ما لا نعلم ولولا خشية أن يطالعه بعض الضعفة فيعتقد صحته وينقله ما تعرضت له ولا نقلته لكن نبهت عليه خوفا من أن يغتر به فيوقع بسببه في نسبة هذا الرجل العظيم إلى مثل هذا فنسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل بمنه وكرمه .

                                      والعرايا جمع عرية وهي تفرد صاحبها للأكل ووزن العرية فعيلة ، واختلف في اشتقاقها على قولين ، قيل بمعنى فاعلة ، وهو قول الأزهري وابن فارس ، ويكون من عري يعرى كأنها عريت من جملة النخيل فعريت أي خلت وخرجت كما يقال عري الرجل إذا تجرد من ثيابه وعلى هذا تكون لام الكلمة ياء كهدية ، وجمعه فعائل كصحيفة وصحائف ، كذلك عرية وعرائي - بهمزة بعد المد مكسورة وبعدها ياء - ثم فتحت هذه الهمزة العارضة في الجمع فصار عرائيا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار عراءا ثم إنهم كرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة مفتوحة لأن الهمزة كأنها ألف فكأنه اجتمع ثلاث ألفات فأبدلوا من الهمزة ياء فقالوا : عرايا فليس وزنها فعالى ، لأن هذه الياء ليست أصلية ، وإنما وزنه فعايل وهذا الإبدال والعمل واجب ، وكل هذه القواعد محكمة في علم التصريف ومثل هدية وهدايا - وقد قالوا في جمعه أيضا : هداوا - فأكثر النحويين جعلوا ذلك شاذا والأخفش قاس عليه ، وردوا عليه بأنه لم ينقل منه إلا هذه اللفظة ، أعني هداوا فلم يأت مثل عداوى وشبهه ، وإنما كتب بالياء كحنية وحنايا ، ومنية ومنايا ، قال شيخنا الأستاذ أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي [ ص: 335 ] فسح الله في مدته : لو ذهب ذاهب إلى أن وزن هذا الجمع كله فعالى لكان مذهبا حسنا بعيدا من التكلف ، وإنما دعا النحويين إلى تلك التقديرات حملهم جمع المعتل على الصحيح ، فأجروا ذلك مجرى صحيفة ، وقد تكون أحكام للمعتل لا للصحيح ، وأحكام للصحيح لا للمعتل ، ويقال : هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه ويقال لساحل البحر : العراء لأنه خلو من النبات قال الله تعالى : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } وقيل : بمعنى مفعوله من عراه يعروه إذا أتاه وتردد إليه ، لأن صاحبها يتردد إليها ويقال أعريته النخلة أي أطعمته ثمرتها يعروها .

                                      قال الخطابي : كما يقال : طلب إلي فأطلبته ، وهذا قول أبي عبيد الهروي وجوز أيضا أن يكون بمعنى فاعله كما تقدم ، فعلى القول الثاني تكون لامها واوا ، أصلها عريوه اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ثم أدغمت إحداهما في الأخرى ثم فعل بجمعه كما فعل به من غير فرق إلا أنه على هذا القول يكون كمطية لا كهدية ، وهذا الوزن متى كانت لامه واوا اعتلت في المفرد كان حكمه ما لامه ياء . بخلاف الذي لامه واو صحت في المفرد فله حكم آخر والله أعلم .

                                      وأما المراد بها هنا فعندنا هو بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض ، والعرايا نوع من المزابنة رخص فيه ، قال أهل اللغة الأزهري والهروي وغيرهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة وهي بيع التمر في رءوس النخل بالتمر ، رخص من جملة المزابنة فيما دون خمسة أوسق ، } وهو أن يجيء الرجل إلى صاحب الحائط فيقول له : بعني من حائطك ثلاث نخلات بأعيانها بخرصها من التمر ، فيبيعه إياها ويقبض الثمن ، ويسلم إليه النخلات يأكلها ويتمرها .

                                      [ ص: 336 ] قال الشافعي رضي الله عنه في الأم في كتاب البيوع في باب بيع العرايا بعد ما ذكر أحكام العرايا بالتفسير المشهور : والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدها ، وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ، ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملة من واحد . والصنف الثاني أن يخص رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر ، هدية يأكلها ، وهذه في معنى المنحة من الغنم ، يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين وأكثر ليشرب لبنها وينتفع به ، وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله ، لأنه قد ملكه . والصنف الثالث أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من البيع منه جملة ، وقد روي أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ، ولا يخرجه لتؤخذ زكاته ، وقيل قياسا على ذلك أن يدع ما أعرى المساكين منها فلا يخرصه ، وهذا بتعبيره في كتاب الخرص انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى .

                                      وهذا الذي ذكره الشافعي من كونه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله ، نقله الأصحاب في كتاب الزكاة قولا قديما ، ونقله النووي هناك عن نصه في البويطي في البيوع والقديم ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام : العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا والإعراء أن يجعل له ثمرة عامها ، فرخص لرب النخل أن يبتاع ثمر تلك النخلة من المعرى بتمر لدفع حاجته ، قال : وقال بعضهم : بل هو الرجل يكون له النخلة في وسط نخل كثير لرجل آخر ، فيدخل رب النخلة إلى نخلته ، وربما كان مع صاحب النخل الكثير أهله في النخل ، فيؤذيه بدخوله ، فرخص لصاحب النخل الكثير أن يشتري ثمر تلك النخلة من صاحبها قبل أن يجذه ، بتمر لئلا يتأذى به ، قال أبو عبيد : والتفسير الأول أجود ، لأن هذا ليس فيه إعراء إنما هي نخلة يملكها ربها ، فكيف تسمى عرية ، ومما يعين ذلك قول شاعر الأنصار يصف النخل :

                                      ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح

                                      [ ص: 337 ] يقول : إنا نعيرها الناس ، والسنهاء الخفيفة الحمل ، والرجبية الثقيلة الحمل ، التي قد انحنت من ثقل حملها ، قاله ابن الصباغ ، وروى أبو عبيد عن مكحول قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال : خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية } .

                                      ( قلت ) : وقد ورد في حديث زيد بن ثابت في معجم الطبراني بسند صحيح : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا ، النخلة والنخلتين توهبان للرجل ، فيبيعها بخرصها تمرا } لكن ليس في ذلك تخصيص أن الذي يبتاعها هو الواهب ولا أن ذلك لدفع حاجته ، فهذا أولى ما يعتمد في تفسيرها ، وهو مخالف للقولين اللذين قالهما أبو عبيد قال الماوردي : العرايا ثلاثة ( مواساة ) وهي ما يعطى للمساكين وذلك ، سنة ( ومحاباة ) وهي ما يتركها الخارص لمن يخرص نخله ليأكلها ، علما أنه سيتصدق منها بأكثر من عشرها ، فذلك جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : " { وإذا خرصتم فدعوا لهم الثلث ، فدعوا الربع } .



                                      ( والمراضاة ) اختلف الفقهاء فيها فقال الشافعي رضي الله عنه : ( بيع الرطب خرصا على النخل بمكيله تمرا على الأرض في خمسة أوسق فأقل ، مع تعجيل القبض ) ، وذكر مذهب مالك ، وأبي حنيفة رضي الله عنهما وسنذكرهما إن شاء الله تعالى . والرخصة إثبات الحكم على خلاف الدليل ; وقد ذكروا في حدها عبارات مختلفة أحسنها : الإطلاق مع قيام المقتضي للمنع لغرض التوسيع ، فقولنا : الإطلاق نريد به إباحة الأقدام التي تشتمل الواجب والمندوب والمباح ، وقولنا : مع قيام المقتضي للمنع احتراز من قتل قاطع الطريق وشبهه ، فإنه قد يقال : إنه شرع مع الإسلام المقتضي للمنع مما ليس كذلك ، فلا يسمى ، رخصة ، وزاد بعضهم : في حال حريته ، احتراز من القصاص فإنه قاعدة كلية لكن يرد عليه السلم والإجارة ، وما أشبههما . ثم الرخصة قد يكون سببها الضرورة كأكل المضطر الميتة ، وقد يكون سببها الحاجة كالعرايا ، فلما كان الدليل قائما على تحريم بيع الرطب بالتمر .

                                      [ ص: 338 ] ووردت العرايا على خلافه ، سمي ذلك رخصة ، والخرص بكسر الخاء نص عليه ابن فارس والمراد منه المخروص وأما الخرص بالفتح فهو المصدر وهو الحزر يقال خرص العبد يخرصه ويخرصه بضم الراء وكسرها في المضارع خرصا وخرصا بالفتح والكسر حزره قاله ابن سيده ثم قال : وقيل : الخرص المصدر والخرص الاسم ، والخراص الحزار . وأما حكم المسألة فذلك مما لا خلاف فيه في المذهب ، وهو مذهب أكثر أهل العلم منهم مالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام وأحمد وإسحاق وأبو عبيدة وداود ومن تبعهم من أهل العلم ، كلهم ذهبوا إلى أن ذلك جائز ، وجعلوه مستثنى من جهة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر ، كذلك قال ابن المنذر ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، ولمالك رحمه الله تعالى في ذلك بعض مخالفة سأذكرها إن شاء الله تعالى . قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب اختلاف الحديث وهو في الجزء السادس عشر من الأم : " خالفونا معا في العرايا فقالوا : لا نجيز بيعها وقالوا : نرد إجازة بيعها بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ونهيه عن الرطب بالتمر ، وهي داخلة في المعنيين قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقيل لبعض من قال هذا منهم : فإن أجاز إنسان بيع المزابنة بالعرايا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز بيع العرايا قال : ليس ذلك له ، قلنا : هل الحجة عليه إلا كهي عليكم في أن يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحل ما أحل ويحرم ما حرم " وبحث الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك إلى أن قال : قال : " فكيف تقول ؟ قلت : أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة ، وبيع الرطب بالتمر عن العرايا ، وأزعم أن لم يرد بما [ ص: 339 ] حرم ما أحل ولا بما أحل ما حرم فأطيعه في الأمرين ، وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى النهي عن المزابنة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم هاهنا موضع ، فنقول : الحديثان مختلفان " انتهى كلام الشافعي رحمه الله تعالى .

                                      وقال في الإملاء : " فلا موضع للتوهم في أن يكون أحد الأمرين قبل الآخر فيقال : أحدهما ناسخ يعني لأن رواة أحدهما هم رواة الآخر " . وقال في كتاب البيوع من الأم ما ملخصه : " إن العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر والمزابنة ، وذلك منهي عنه ، وخارجة منه منفردة ، بخلاف حكمه ، إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه " وكأن الشافعي رحمه الله تعالى أشار بهذا التأويل في كلامه إلى النهي عن بيع الرطب بالتمر ، وعن المزابنة هل هو عام مخصوص ؟ أو عام أريد به الخصوص ؟ والله أعلم والفرق بينهما : أن الذي أريد به الخصوص ويكون المراد فيه متقدما على اللفظ ، ويكون ما ليس بمراد متأخرا . والعام المخصوص يكون متأخرا عن اللفظ أو مقارنا ، ويكون المراد باللفظ أكثر مما ليس بمراد ، ذكر ذلك الماوردي ، وأطلق على العام المخصوص : أنه أريد به العموم ، ولا يرد عليه أنه متى أريد عمومه كان الإخراج بعد ذلك نسخا لأن المراد إرادة العموم باللفظ ، ثم الإخراج منه ، كما يقول : له علي عشرة إلا ثلاثة ، فإن العشرة مرادة ، وليس كقولك سبعة على المشهور والله أعلم .

                                      وأشار الجوري إلى أن قول الشافعي لم يقصد بالنهي قصدها أنها ليست داخلة في المزابنة يعني ويكون الاستثناء منقطعا وهو خلاف ما قاله الشافعي فإنه صرح مع ذلك أنها داخلة ، وقال في باب آخر من الأم أيضا : [ ص: 340 ] إنها - يعني المزابنة - جملة عامة المخرج أريد به الخصوص ، ويحتمل أن يكون التردد المذكور في كلام الشافعي في أن الرخصة هل وردت مع النهي عن المزابنة على سبيل الاستثناء ؟ ووردت وحدها بغير ذلك كما سنذكر في ذلك احتمالين للأصحاب ، وعلى ذلك حمله ابن الرفعة ، وعلى ذلك يدل كلامه في الرسالة ، فإنه قال : إن أولى الوجهين عنده أن يكون أراد به ما سوى العرايا وأنه يحتمل أن يكون رخص فيما بعد دخولها في جملة النهي ، وإن كان مراد الشافعي ذلك فلعله لم يبلغه حديث زيد الثابت في مسلم أن الرخصة كانت بعد ذلك . وقد قال الشافعي : إن أولى الوجهين عنده أن يكون ما نهى عنه جملة أراد به ما سوى العرايا ، وحديث زيد يقتضي أن يكون الثاني هو الأولى ، بل المتعين وعلى ما حملته عليه لا يدفعه حديث زيد ، لأنه تكون الرخصة بعد ذلك مبينة للعام المتقدم ، وقد أعاد الشافعي الكلام في ذلك في اختلاف الحديث ، وهو في الجزء السادس عشر من الأم في باب بيع الرطب من الطعام باليابس ، وجزم القول بأن المزابنة من العام الذي يراد به الخاص ، والعرايا لم تدخل في نهيه ، يعني لم تدخل في الإرادة ، وجزم هناك بأنه لا يجوز إلا أقل من خمسة أوسق وأن الزائد منعه من مفهوم الحديث والتوقيت فيه ، قال : ولو قال قائل : هو داخل في المزابنة لكان مذهبا يصح عندنا .

                                      واعتلت الحنفية بأمور ( منها ) حمل العرية على الهبة كما هو التفسير الثاني الذي يدل عليه شعر شاعر الأنصار ، قالوا : فكأنه رخص لمن وهب ثمر نخلة لرجل ولم يقبض أن يعطيه عوض ذلك تمرا ، ويرجع فيها ، وسماه بيعا لأن ما دفع إليه من التمر كالعوض عما وهب به ، فتحمل العرية على الحقيقة والبيع على المجاز ، واختلفوا على هذا في الرخصة ، فقيل : إنها عائدة إلى المعري لأنه وعد فأخلف قال الدينيني الحنفي : يعزى ذلك إلى عيسى بن أبان ، وقيل : إنها عائدة إلى المعرى ، لأنه أخذ العوض عما لم يملكه ، قالوا : وأنتم تحملون البيع على الحقيقة والعرية على المجاز ، وهذا ممنوع لأنه تقدم أن للعرية تفسيرين ، فلا مجاز ، ولو سلم لوجب حمله على ما قلناه كما دل عليه كلام الشافعي وقاله المصنف في النكت لوجوه : [ ص: 341 ] أحدها ) أن المنهي عنه في أول الجزء البيع فيجب أن يكون المستثنى أيضا بيعا .

                                      ( والثاني ) أن الرخصة لا تكون إلا عن حظر والحظر في البيع لا في الرجوع في الهبة ( والثالث ) أنه قدر بخمسة أوسق وما قالوه لا يختص ( والرابع ) ما تقدم من حديث محمود بن لبيد ، واعتلوا أيضا بأنه إذا لم يجز البيع بالخرص وهو على الأرض فعلى النخل أولى ، لأنه أقرب إلى الغرر .

                                      ( وأجاب ) المصنف في النكت بأنه مما تدعو الحاجة إليه وفي الأرض لا تدعو الحاجة إليه لأنه لا يمكنه أن يأكل الرطب مع الناس ، وقد يجوز مع كثرة الغرر للحاجة إليه وما لا يجوز مع قلة الغرر لعدم الحاجة ، كما قال في السلم المؤجل : يجوز مع كثرة الغرر ، ولا يجوز الحال مع قلة الغرر ، وقال الشيخ : " ولأن في الأرض لم يجعل الخرص طريقا لمعرفة المقدار ، وفي الشجر جعل الخرص طريقة لمعرفة المقدار ، ويعرف منها التساوي في حال الادخار " وهذا الجواب من المصنف يقتضي أنه قائل بأنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر في الأرض فيما دون خمسة أوسق ، وهو الصحيح من المذهب ، وفيه خلاف تقدم عن صاحب التتمة ، وسأذكره إن شاء الله تعالى ، واعتلوا أيضا بأن ذلك كان قبل تحريم الربا ، ويبطله استثناؤها من المزابنة ، وهذا يدل على أنه بعد تحريم الربا ، ولأنه لو كان كذلك لم يحتج إلى الخرص واعتلوا أيضا بأمور أخر لا متعلق لهم بها . " وأما مالك رحمه الله تعالى فهو - وإن وافق على مقتضى الحديث - يفسر العرايا بتفسير أخص مما يقوله الشافعي : وهو أن يهب الرجل الرجل تمر نخلة أو نخلات ثم يتضرر بمداخلة الموهوب له ، فيشتريها بخرصها تمرا ، وهذه الصورة عندنا من جملة العرايا ، لكن الخلاف معه في قصرها على ذلك فقال : إنه لا يجوز بيعها من غير صاحب البستان إلا بعرض أو نقد ، ونحن نقول : يجوز ، وقال : إنه يجوز ذلك نسيئة وزاد حتى قال : لا يجوز نقدا على ما حكي عنه ، وعلى هذا لا تبقى صورة في العرايا يحصل فيها اتفاق [ ص: 342 ] بيننا وبينه لأن ما دون خمسة أوسق نجيزه نحن نقدا ولا نجيزه نسيئا ، وهو لا يجيزه ويجيزه نسئا في بعض الصور ، وجوز شراءها لمعريها ولورثته ، وكذلك يجوز عنده شراء ثمرة نخلة أصلها لغيره في حائطه ، قال : وليس بقياس ولكنه موضع تخفيف ونقل الماوردي عنه أنه يجوز ذلك جبرا ، ويجريه مجرى الشفعة خوفا من سوء المشاركة .

                                      واختلفت المالكية في علة الجواب في منعها من المعرى فقيل : لوجهين ، إما لدفع ضرر دخوله وخروجه أو لمرفق في الكفاية وقال بعض كبار أصحاب مالك رحمه الله : لا يجوز إلا لدفع الضرر خاصة ، وأنه إذا أعرى خمسة أوسق أو دونها لم يجز أن يشتري بعض عريته لأن الضرر الذي أرخص به قائم ، قاله في تهذيبهم ، قال الشافعي في اختلاف الحديث : ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال : لا تباع إلا من صاحبها الذي أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ ، قال الشافعي رضي الله عنه : كما عليه أجلها فتحل لكل مشتر ولا أحرمها فنقول قول من حرمها ، وزاد فقال : تباع بتمر نسيئة ، والنسيئة عنده في الطعام حرام ، وزاد أن أجلها إلى الجذاذ فجعل الطعام بالطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لأن الجذاذ مجهول . واحتج المنتصرون لمالك رحمه الله في تفسير العرية بذلك بقول ابن عمر : " كانت العرايا أن يعري الرجل في ماله النخلة والنخلتين " رواه البخاري تعليقا عن محمد بن إسحاق وقال البخاري : وقال يزيد عن سفيان بن حسين العرايا : نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها ، رخص لهم أن يبيعوا بما شاءوا من التمر ، وبشعر شاعر الأنصار المتقدم ( قلت ) وقد وجدت لهم ما هو أولى بأن يتعلقوا به فمن ذلك الحديث الذي تقدم قريبا عن معجم الطبراني عن زيد بن ثابت قال : " { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا } وليس فيه دليل لأنه لم يخص أن الواهب هو الذي يبتاع كما تقدم وكما سنذكره إن شاء الله تعالى ، قال الإمام أبو الفتح بن دقيق العيد : [ ص: 343 ] ويشهد لتأويل مالك أمران ( أحدهما ) أن العرية مشهورة بين أهل المدينة متداولة بينهم وقد نقلها مالك هكذا ( والثاني ) قوله : " رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها " فإنه يشعر باختصاصه بصفة يتميز بها عن غيره ، وهي الهبة الواقعة .

                                      ( قلت ) أما الأول فإنه معارض بقول يحيى بن سعيد الأنصاري أحد شيوخ مالك ، وهو أيضا مدني عالم . ففي صحيح مسلم عن يحيى بن سعيد أنه قال : العرية أن يشتري الرجل تمر النخلات بطعام أهله رطبا بخرصها تمرا ، وهذا هو قولنا ، وأما الثاني فإن الهبة هي التي يتميز بها عن غيره مختصة بمشتري العرية لا ببائعها ، فلو كان كذلك لقال : رخص لصاحب العرية أن يشتريها ، والحديث إنما قال أن يبيعها وأما قول ابن عمر وحديث زيد بن ثابت الذي ذكرته له فليس فيه ما يدفع قولنا ، ونحن نسلم أن العرية كانت تطلق على ذلك لأن الاشتقاق حاصل فيها وهو كونها مفردة وأكثر ما كان يقع الإفراد بذلك السبب ، ولذلك جاءت الرخصة لأصحاب العرايا على ما هو الغالب ، ولكنه لم يقل أن يبيعها من معريها بل أطلق فيبقى على إطلاقه ، وله أن يبيعها ممن شاء ولهذا في حديث سهل بن أبي حثمة الذي في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا } " فقوله : أهل البيت مطلق ، وليس في شيء من الأحاديث الواردة في ذلك أن ذلك يختص ببيعها من المعري ، فيتعين أن يكون جواز البيع مطلقا من كل أحد ولا يضرنا أن نسلم أن أصحاب العرايا هم الذين وهبت لهم النخلات ووردت الرخصة لهم في البيع .

                                      ( فإن قلت ) فعلى هذا لا تكون الرخصة للبائع ، والظاهر من حديث زيد وغيره أن الرخصة للمشتري الذي لا نقد بيده ، رخص له أن يشتري الرطب لحاجته إليه بالتمر ( قلت ) : الرخصة لكل منهما رخص للمشتري أن يشتري كذلك ، ورخص للبائع أن يبيع ، لأنه كان ممنوعا قبل ذلك من بيع الرطب بالتمر ، وسبب الرخصة في حقه أمران : [ ص: 344 ] أحدهما ) حاجة المشتري إليه وهو الذي لا رطب عنده أعني الذي تقتضي العادة أنه يطلب شراء الرطب ويرشد إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " يأكلونها رطبا " .

                                      ( والثاني ) أن أصحاب العرايا هم المساكين الذين وهبت منهم ، وظاهر حالهم الحاجة ، وقد لا تصبر النفس على أكل الرطب دائما ، وتطلب التمر الذي هو القوت المعتاد عندهم ، ولا كذلك أصحاب النخيل الذين ليسوا من المساكين ، فإنهم مستغنون عن البيع في الحال جملة وظاهر حالهم الغنى عن شراء الرطب والتمر معا ، فلذلك - والله أعلم - وردت الرخصة في حق أصحاب العرايا لأنهم مظنة البيع ، لا لأن فيهم معنى مصححا للبيع ليس في غيرهم ، فأصحاب العرايا هم البائعون . والمشترى لم يرد في شيء من الأحاديث فيه تقييد إلا في حديث محمود بن لبيد عن زيد من ذكر المحاويج ، وليس أولئك بمقصودين بأصحاب العرايا والله أعلم .

                                      ومما يبعد ما ذهبت إليه المالكية أنه لو كان الرخصة في ذلك لأجل ضرر المداخلة لم تفترق الحال بين خمسة أوسق وما فوقها ، وقد سلمت المالكية اختصاصها بالخمسة الأوسق كما في الحديث ، والله أعلم واشترط الخرقي من الحنبلية كون العرية موهوبة من بائعها ، كما قاله مالك ، والظاهر عندهم خلافه والله أعلم وقد جمع الماوردي مرجحات المذهب في خمسة أوجه : استثناؤها عن المزابنة ، وإثباتها بلفظ الرخصة المشعر بتقدم الحظر ، وبلفظ البيع المقتضي عوضها ، واعتبار المساواة بالخرص ، وتقديرها بقدر مخصوص ، وبسط ذلك معلوم مما تقدم . قال القاضي أبو الطيب : والمسألة مبنية على السنة ولا قياس فيها يتعول عليه ، وقد أفاد كلام المصنف في التصوير شروطا كلها موجودة في مختصر المزني : ( أحدها ) أن يخرص ما على النخيل من الرطب ، أي رطبا ، ويخرص ما يجيء منه إذا جف فيأتي المتبايعان إلى النخل ويحزرانها ويقولان : فيها [ ص: 345 ] الآن وهي رطب ستة أوسق مثلا ، وإذا يبست وجفت صارت أربعة أوسق ، فتباع بأربعة أوسق تمرا فإن زاده على الأربعة مدا أو نقصه مدا لم يجز لظهور التفاضل ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق . فأما خرصه رطبا فلا بد منه ، وإن خرص ما يجيء منه جافا فسيأتي فيه شيء عن أحمد في الشرط الثالث مما نحن نتكلم فيه إن شاء الله تعالى في كيفية الخرص مستوفى من باب زكاة النبات .

                                      ( الثاني ) أن يكون الثمن الذي يباع به معلوما بالكيل ، لقوله : ثم يبيع ذاك بقدره وهذا لا خلاف فيه عند القائلين بإباحة بيع العرايا ، ومستنده حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا } " هذا لفظ البخاري ومسلم جميعا ، قال البخاري : " وقال ابن إدريس : لا يكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد ، لا يكون بالجزاف ، ومما يقويه قول سهل بن أبي حثمة بالأوسق الموسقة " هذا لفظ البخاري ، يريد بذلك أن الأوسق لا تكون إلا كيلا ، ولأن الأصل اعتبار الكيل من الطرفين ، سقط في أحدهما للتعذر ، فيجب في الآخر على الأصل ، وإن ترك الكيل من الطرفين بكثرة الغرر ، وفي تركه من أحدهما تقليل الغرر ، ولا حاجة إلى التطويل في ذلك فإنه لا خلاف فيه ، فلا يجوز بيع تمر جزافا ، وقد صرح بذلك الشافعي في الأم ، والروياني في البحر . وابن إدريس الذي نقل البخاري عنه هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وعلى ذهني أن بعضهم قال : إنه الشافعي ، ولم يحضرني موضعه الآن ، والمشهور الأول .

                                      ( الثالث ) أن يكون البيع بقدر ما يجيء منه تمرا ، ولا يضر كون الرطب الآن أكثر من خمسة أوسق كما تقدم تمثيله ، وهذا هو المشهور عند القائلين بالعرايا ، ونقل حنبل عن أحمد أنه قال بخرصها رطبا ، ويعطى تمرا خرصه قال ابن قدامة منهم : وهذا يحتمل الأول ، أنه يشتريها بتمر مثل الرطب الذي عليها ، لأنه بيع اشترطت المماثلة فيه ، فاعتبرت حال البيع كسائر البيوع ، ولأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال ، وأن لا يباع الرطب بالتمر ، خولف [ ص: 346 ] الأصل في بيع الرطب بالتمر ، فبقي ما عداه على قصة الدليل ، والصحيح عندهم خلاف هذا ، والجواب عن الدليلين المذكورين لا يخفى ، وعلى الاحتمال الآخر يكون خرصها تمرا لا حاجة إليه عندهم ، قال القاضي والأول أصح لأنه مبني على خرص الثمار في العشر والصحيح ثم - خرصه تمرا .

                                      ( الرابع ) أن يتقابضا فمتى تفرقا قبل التقابض فسد العقد ، نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى والأصحاب من غير خلاف فيه ، والتقابض في التمر ظاهر بالكيل والنقل ( وأما ) في الرطب الذي على النخل فبالتخلية بين المشترى وبين النخلة ، هكذا نص الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : وهذا المراد بقوله : وليسلم إليه قبل التفرق ، قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم : ولا يجوز البيع فيها حتى تقبض النخلة بثمرها ، ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله . ولا خلاف عندنا وعند الحنابلة في ذلك ، وقد تقدم من حكاية الشافعي وعن مالك جواز ذلك إلى الجذاذ وبحثه في ذلك كاف . واستشكل ابن الرفعة الاكتفاء بالتخلية إذا قلنا بالقديم ، وهو أن الثمرة تكون من ضمان البائع إلى أن [ يحين ] القطع ، ولا يشترط حضور التمر عند تمر النخيل ، بل لو تبايعا بعد رؤية التمر والثمرة ثم خلي بينه وبين الثمرة ، ثم مشيا إلى التمر فسلمه جاز ، قاله القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي والبغوي ، قال الرافعي : ويشترط في هذه المدة أن لا يفترقا ، قال الماوردي : فإذا افترقا لزمت العرية ، ولا خيار ، ثم للمشتري بعد ذلك أن يجتني ثمرة النخلة حالا بعد حال عند إدراكها .



                                      ( فرع ) لو باع الرطب على الأرض بالتمر ، هل يجري حكم العرايا فيه فيصح في خمسة أوسق أو دونها ؟ قال المحاملي : لا خلاف على المذهب أنه لا يجوز ، لأن معنى العرايا لا يوجد فيه ، وبذلك جزم كثيرون ، وقد حكي في طريق المراوزة وجهان حكاهما الفوراني والمتولي والإمام ، وأما الزائد على الخمسة فلا يصح جزما ، وقد تقدم التنبيه على ذلك .



                                      ( فرع ) قال صاحب التتمة : إذا اشترى الرطب بالتمر يعني في [ ص: 347 ] العرايا ، فإن أكل الرطب ولم يجففه فالعقد ماض على الصحة ، وإن جففه فكان بقدر التمر ، أو كان التفاوت بقدر ما بين الكيلين فالعقد نافذ ، وإن ظهر بينهما تفاوت ظاهر يحكم ببطلان العقد لظهور ما يوجب الفساد ، جزم بذلك المتولي ولم يحك فيه خلافا ، وذكره صاحب البحر عن بعض أصحابنا كما في التتمة ، واقتصر عليه ، وكذلك في تعليق القاضي حسين أنه قاله بعد السؤال في الدرس ، وفيه وجه أنه يصح من الكثير بقدر القليل ، ولمشتري الكثير الخيار ، حكاه البغوي والرافعي .

                                      ( فروع ) يجوز أن يقع العقد على الذمة ، فيقول : بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا من التمر ويصفه ، ويجوز أن يقع على معين ، فيكيل من التمر بقدر خرصها ثم يقول : بعتك هذا بهذا ، فإن باعه بمعين فقبضه بنقله ، وإن باعه بموصوف فقبضه باكتياله ، وأن لا يتفرقا قبل القبض ، قاله المحاملي ، وهو مذهب أحمد أيضا .

                                      ( فرع ) قال الشافعي رحمه الله تعالى : والجائحة في العرايا والبيع وغيرهما سواء .

                                      ( فرع ) قال الماوردي والروياني : لا تجوز العرية إلا فيما بدا صلاحه بسرا كان أو رطبا فنبه بذلك على اشتراط بدو - الصلاح وعلى أن حكم البسر حكم الرطب ، وقل من نبه عليه من الأصحاب ، وعلل الروياني الأول بأنه وقت الحاجة ( وأما ) الثاني فلأن الحاجة إلى البسر كالرطب والله أعلم وقد تقدم عن الماوردي الخلاف في بيع الطلع بالتمر ، وذلك في غير العرايا ، فهذا الكلام من هنا يجب أن يكون تفريعا على القول بالمنع هناك ، ومتى جاز في غير العرايا جاز فيها بطريق أولى .




                                      الخدمات العلمية