الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويجوز ذلك فيما دون خمسة أوسق ; لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق } ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الثابت في الصحيحين في حديث أبي هريرة فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق ، هكذا على الشك من رواية داود كما سيأتي قريبا - إن شاء الله تعالى ، وفي الترمذي فيما دون خمسة أوسق أو كذا ، وأما روايته بأحد اللفظين فقط كما ذكره المصنف فلم أره في شيء من كتب الحديث إلا في نسخة من سماعنا في مسند الشافعي ، وراجعت نسخة أصح منها فوجدته على الصواب مكملا كالروايات المشهورة ، وكذلك رواية الشافعي رحمه الله - في الأم ، ومن عادة الشافعي أن رواياته في الحديث الواحد لا تختلف ، ولو رواها في مواضع متعددة لشدة ضبطه وإتقانه وتثبته ، فتبين أن السقوط [ ص: 375 ] في تلك النسخة غلط من ناسخ ، فإن كان وقع للمصنف نسخة كذلك فهو اللائق بورعه وتحريه أنه لا يختصر الحديث .

                                      ولا يقال : إن ذلك جائز ، فإنه ذكر بعض الحديث وليس فيه تعيين حكم ; لأن ما دون الخمسة محقق ، ومن أرخص في الخمسة فقد أرخص فيما دونها ، فالرخصة فيما دونها محققة ; لأنا نقول : إن في الاقتصار على ذلك خللا في اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فإنه لا تتحقق مطابقته للفظ أبي هريرة فلأنه على تقدير أن تكون الرخصة في خمسة أوسق فلا يمكن نسبته إليه باللفظ ، وأما بالمعنى فلأنه يصير موهما أو مفهما - بطريق المفهوم - أنه لا يجوز في الخمسة ، وذلك قادح في الرواية بالمعنى ، والشيخ أجل عندنا من أن يستدرك على روايته ، خلاه ينسب إليه . والظاهر أن الشيخ وجده هكذا واعتقده حديثا تاما ، وكلامه بعد هذا بأسطر يشعر بذلك ، ولا أعرف رواية في ذلك اقتصر فيها على ما دون خمسة أوسق إلا ما تقدم في أول الباب عن الترمذي ، من القصة التي نقلها بغير إسناد ولا تعيين ، فإن ثبت أن ذلك حديث كامل فهو نص فيما ادعاه ، وإلا فإن الحكم المذكور ثابت بالأحاديث المشهورة المتقدمة ، فإن ما دون الخمسة داخل في الخمسة ، وإباحة الشيء إباحته لما يتضمنه ، فالإباحة فيما دون الخمسة محققة إما نصا وإما تضمنا ، والله أعلم .

                                      والحكم المذكور لا خلاف فيه في المذهب ، كذا قال القاضي أبو الطيب والمحاملي ( فروع ) لا ضابط للنقص عن الخمسة ، بل متى كان أقل من الخمسة بشيء ما - كان جائزا ، كذلك ، نص الشافعي عليه ، وهو يدل على أن الخمسة تحديد وسنفرد له فرعا في المسألة التي بعدها .

                                      واعلم أنا إذا أطلقنا خمسة أوسق إنما نريد خمسة أوسق من التمر ، أي قبل ما يخرص ، فنعرف أنه إذا جف كان خمسة أوسق ، ولا نريد خمسة أوسق من الرطب ، والله أعلم . وتقدم التنبيه على ذلك .




                                      الخدمات العلمية