الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3081 حدثنا محمد بن بشار حدثنا عمر بن يونس اليمامي حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل حدثنا عبد الله بن عباس حدثنا عمر بن الخطاب قال نظر نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تبارك وتعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمدهم الله بالملائكة قال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث عمر إلا من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل وأبو زميل اسمه سماك الحنفي وإنما كان هذا يوم بدر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا أبو زميل ) بضم الزاي مصغرا اسمه سماك بن الوليد الحنفي ( حدثني عبد الله بن عباس ) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالفهم في القرآن ، فكان يسمى البحر والحبر لسعة [ ص: 373 ] علمه ، وقال عمر : لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عثره منا أحد ، مات سنة ثمان وستين بالطائف ، وهو أحد المكثرين من الصحابة ، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة .

                                                                                                          قوله : ( نظر نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين ) وفي رواية مسلم لما كان يوم بدر نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين .

                                                                                                          قال النووي : بدر هو موضع الغزوة العظمى المشهورة وهو ماء معروف وقرية عامرة على أربع مراحل من المدينة بينها وبين مكة .

                                                                                                          قال ابن عيينة : بدر بئر كانت لرجل يسمى بدرا فسميت باسمه .

                                                                                                          قال أبو اليقظان : كانت لرجل من بني غفار ، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ( ثم مد يديه ) أي رفعهما ( وجعل يهتف ) بفتح أوله وكسر التاء المثناة بعد الهاء ، ومعناه يصيح ويستغيث بالله بالدعاء ، وفيه استحباب استقبال القبلة في الدعاء ورفع اليدين فيه ، وأنه لا بأس برفع الصوت في الدعاء ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ) من الإنجاز : أي أحضر لي ما وعدتني ، يقال : أنجز وعده إذا أحضره ( اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة ) ، قال النووي : ضبطوا تهلك بفتح التاء وضمها ، فعلى الأول ترفع العصابة على أنها فاعل ، وعلى الثاني تنصب وتكون مفعوله ، والعصابة : الجماعة . انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : إنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين ، فلو هلك هو ومن معه حينئذ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان ولاستمر المشركون يعبدون غير الله ، فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة ( كفاك ) وفي بعض النسخ : كذاك ، بالذال ، وفي رواية البخاري حسبك وكله بمعنى ، كما صرح به الجزري والنووي ( مناشدتك ربك ) المناشدة : السؤال مأخوذة من النشيد ، وهو رفع الصوت وضبطوا مناشدتك بالرفع والنصب وهو الأشهر . قال القاضي : من رفعه حمله فاعلا لكفاك ، ومن نصبه فعلى المفعول لما في حسبك وكفاك ، وكذاك من معنى الفعل من الكف .

                                                                                                          [ ص: 374 ] قال العلماء : هذه المناشدة إنما فعلها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليراه أصحابه بتلك الحال فتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كان وعده الله تعالى إحدى الطائفتين ، إما العير وإما الجيش ، وكانت العير قد ذهبت وفاتت ، فكان على ثقة من حصول الأخرى ولكن سأل تعجيل ذلك وتنجيزه من غير أذى يلحق المسلمين ( فإنه سينجز لك ما وعدك ) .

                                                                                                          قال الخطابي : لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك الحال . بل الحامل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك شفقته على أصحابه وتقوية قلوبهم ; لأنه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والدعاء والابتهال لتسكن نفوسهم عند ذلك لأنهم كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة ، فلما قال أبو بكر ما قال ، كف عن ذلك وعلم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة ، فلهذا عقب بقوله سيهزم الجمع .

                                                                                                          إذ تستغيثون ربكم أي تطالبون منه الغوث بالنصر عليهم فاستجاب لكم أي فأجاب دعاءكم أني ممدكم أي بأني معينكم بألف من الملائكة مردفين أي متتابعين يردف بعضهم بعضا .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأخرجه البخاري مختصرا .

                                                                                                          قال الحافظ : هذا من مراسيل الصحابة ، فإن ابن عباس لم يحضر ذلك ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر ( وقال وإنما كان هذا يوم بدر ) الظاهر أن ضمير قال راجع إلى الترمذي .




                                                                                                          الخدمات العلمية