الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معرفة من اختلط من الثقات


985 . وفي الثقات من أخيرا اختلط فما روى فيه أو ابهم سقط      986 . نحو عطاء وهو ابن السائب
وكالجريري سعيد ، وأبي      987 . إسحاق ، ثم ابن أبي عروبة
ثم الرقاشي أبي قلابة      988 . كذا حصين السلمي الكوفي
وعارم محمد والثقفي [ ص: 329 ]      989 . كذا ابن همام بصنعا إذ عمي
والرأي فيما زعموا والتوأمي      990 . وابن عيينة مع المسعودي
وآخرا حكوه في الحفيد      991 . ابن خزيمة مع الغطريفي
مع القطيعي أحمد المعروف

التالي السابق


قال ابن الصلاح : "هذا فن عزيز مهم ، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف ، واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا" ، قلت : وبسبب كلام ابن الصلاح ، أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء ، حدثنا به ، ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه ، ورتبهم على حروف المعجم .

ثم الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط ، وكذا ما أبهم أمره وأشكل ، فلم ندر أحدث به قبل الاختلاط ، أو بعده ؟ وما حدث به قبل الاختلاط قبل ، وإنما يتميز ذلك باعتبار الرواة عنهم ، فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط ، ومنهم من سمع بعده فقط ، ومنهم من سمع في الحالين ، ولم يتميز .

فممن اختلط في آخر عمره : عطاء بن السائب ، قال ابن حبان : "اختلط بأخرة ، ولم يفحش خطؤه" . انتهى .

وممن سمع منه قبل الاختلاط : شعبة وسفيان الثوري ، قاله يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، إلا أن القطان استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن [ ص: 330 ] زادان ، وكذلك حماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير ، قاله يحيى بن سعيد القطان ، وكذا قال النسائي : رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة .

وممن سمع منه بعد الاختلاط : جرير بن عبد الحميد ، وخالد بن عبد الله الواسطي ، وإسماعيل بن علية ، وعلي بن عاصم ، قاله أحمد بن حنبل ، وكذلك سمع منه بعد التغير : محمد بن فضيل بن غزوان ، وممن سمع منه أيضا بأخرة : هشيم ، قاله أحمد بن عبد الله العجلي . قلت : قد روى له البخاري في صحيحه حديثا من رواية هشيم عنه ، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد . وممن سمع منه في الحالتين معا : أبو عوانة ، قاله عباس الدوري عن يحيى بن معين ، قال : ولا يحتج بحديثه . أي : بحديث أبي عوانة عنه .

وممن اختلط أخيرا : أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة احتج به الشيخان ، ولم يشتد تغيره ، قال يحيى بن سعيد عن كهمس : أنكرنا الجريري أيام الطاعون ، وكذا قال النسائي : ثقة أنكر أيام الطاعون . وقال أبو حاتم الرازي : تغير حفظه قبل موته ، فمن كتب عنه قديما ، فهو صالح .

قلت : وممن سمع منه قبل التغير : شعبة ، وسفيان الثوري ، والحمادان ، وإسماعيل بن علية ، ومعمر ، وعبد الوارث بن سعيد ، ويزيد بن زريع ، ووهيب بن خالد ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ; وذلك لأن هؤلاء كلهم سمعوا من أيوب [ ص: 331 ] السختياني ، وقد قال أبو داود ، فيما رواه عنه أبو عبيد الآجري : كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد . انتهى .

وممن سمع منه بعد التغير : محمد بن أبي عدي ، وإسحاق الأزرق ، ويحيى بن سعيد القطان ، ولذلك لم يحدث عنه شيئا . وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل ، وخالد بن عبد الله ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وعبد الوارث بن سعيد عنه ، وروى له مسلم فقط من رواية جعفر بن سليمان الضبعي ، وحماد بن أسامة ، وحماد بن سلمة ، وشعبة ، وسفيان الثوري ، وسالم بن نوح ، وابن المبارك ، وعبد الوهاب الثقفي ، ووهيب بن خالد ، ويزيد بن زريع ، وعبد الواحد بن زياد ، ويزيد بن هارون وقد قيل : إن يزيد بن هارون ، إنما سمع منه بعد التغير ، فقد روى ابن سعد عنه ، قال : سمعت منه سنة اثنتين وأربعين ومائة ، وهي أول سنة دخلت البصرة ، ولم ننكر منه شيئا ، قال : وكان قيل لنا : إنه قد اختلط ، وقال ابن حبان : كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين ، قال : وقد رآه يحيى القطان ، وهو مختلط ، ولم يكن اختلاطه فاحشا ، مات سنة أربع وأربعين ومائة .

ومنهم : أبو إسحاق السبيعي ، واسمه عمرو بن عبد الله ، ثقة احتج به الشيخان ، قال أحمد بن حنبل : ثقة . لكن هؤلاء الذين حملوا عنه بأخرة وقال يعقوب الفسوي : قال ابن عيينة : حدثنا أبو إسحاق في المسجد ، ليس معنا ثالث ، قال الفسوي : فقال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه . انتهى . وكذا قال الخليلي : إن سماعه منه بعد ما اختلط [ ص: 332 ] .

قلت : ولم يخرج له الشيخان من رواية ابن عيينة عنه شيئا ، إنما أخرج له من طريقه الترمذي ، وكذلك النسائي في عمل اليوم والليلة ، وأنكر صاحب الميزان اختلاطه ، فقال : شاخ ونسي ، ولم يختلط ، قال : وقد سمع منه سفيان بن عيينة ، وقد تغير قليلا . واختلف في وفاته ، فقيل : سنة ست وعشرين ومائة . وقيل : سبع . وقيل : ثمان . وقيل : تسع .

ومنهم : سعيد بن أبي عروبة ، واسم أبي عروبة : مهران ، ثقة ، احتج به الشيخان ; لكنه اختلط ، وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين على ما يأتي من الخلاف ، قال أبو حاتم : هو قبل أن يختلط ثقة . وقد اختلف في ابتداء اختلاطه ، فقال دحيم : اختلط مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة ، وكذا قال ابن حبان : اختلط سنة خمس وأربعين ومائة ، وبقي خمس سنين في اختلاطه مات سنة خمسين ومائة . وقال يحيى بن معين : خلط بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين ، يعني : ومائة ، ومن سمع منه بعد ذلك ليس بشيء .

قلت : هكذا اقتصر ابن الصلاح حكاية عن يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين وأربعين ، والمعروف سنة خمس وأربعين ، كما تقدم هذا هو المذكور في التواريخ أن خروجه فيها ، وإنه قتل فيها يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، واحتز رأسه [ ص: 333 ] .

فممن سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه : عبد الله بن المبارك ، ويزيد بن زريع ، قاله ابن حبان وغيره ، وكذلك شعيب بن إسحاق سمع منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة ، وكذلك يزيد بن هارون صحيح السماع منه ، قاله ابن معين ، وكذلك عبدة بن سليمان ، قال ابن معين : إنه أثبت الناس سماعا منه ، وقال ابن عدي : "أرواهم عنه عبد الأعلى السامي ، ثم شعيب بن إسحاق ، وعبدة بن سليمان ، وعبد الوهاب الخفاف ، وأثبتهم فيه يزيد بن زريع ، وخالد بن الحارث ، ويحيى القطان " . قلت : قد قال عبدة بن سليمان عن نفسه ، أنه سمع منه في الاختلاط ، إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه ، وأنه لم يحدث بما سمعه منه في الاختلاط ، والله أعلم . وسمع منه قديما : سرار بن مجشر ، أشار إليه النسائي في سننه الكبرى ، وقال أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود : كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع ، وهو من قدماء أصحاب سعيد بن أبي عروبة ، ومات قديما .

وممن سمع منه في الاختلاط : أبو نعيم الفضل بن دكين ، ووكيع ، والمعافى بن عمران الموصلي . قلت : وقد روى له الشيخان من رواية خالد بن الحارث ، وروح بن عبادة ، وعبد الأعلى الشامي ، وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي ، ومحمد بن سواء السدوسي ، ومحمد بن أبي عدي ، ويزيد بن زريع ، ويحيى بن سعيد القطان عنه . وروى له البخاري فقط من رواية بشر بن المفضل ، وسهل بن يوسف ، وابن المبارك ، وعبد الوارث بن سعيد ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وكهمس بن المنهال عنه . وروى له مسلم فقط من رواية ابن علية ، وأبي أسامة ، وسعيد بن عامر الضبعي ، وسالم بن نوح ، وأبي خالد الأحمر ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وعبدة بن سليمان ، وعلي بن مسهر ، وعيسى بن يونس ، ومحمد بن بكر البرساني ، وغندر عنه [ ص: 334 ] .

قلت : وقد قال ابن مهدي : سمع غندر منه في الاختلاط . وأما مدة اختلاط سعيد ، فقد تقدم قول ابن حبان أنها خمس سنين ، وقال صاحب الميزان : ثلاث عشرة سنة ، وخالف في ذلك في العبر ، فقال : عشر سنين ، مع قوله فيهما : أنه توفي سنة ست وخمسين ، وكذا قال الفلاس ، وأبو موسى الزمن ، وغير واحد في وفاته . وقيل : سنة سبع وخمسين ومائة .

ومنهم : أبو قلابة الرقاشي ، واسمه : عبد الملك بن محمد بن عبد الله أحد شيوخ ابن خزيمة ، قال فيه ابن خزيمة : حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد . قلت : وممن سمع منه آخرا ببغداد : أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، وآخرون . فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط . وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائتين ببغداد .

ومنهم : حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ، أحد الثقات الأثبات ، احتج به الشيخان ، ووثقه أحمد ، وأبو زرعة ، والعجلي ، وغيرهم . وقال أبو حاتم : ثقة ساء حفظه في الآخر ، وكذا قال يزيد بن هارون : إنه اختلط . وقال النسائي : تغير ، [ ص: 335 ] وأما علي بن عاصم ، فقال : إنه لم يختلط ، كذا حكاه صاحب الميزان عنه .

وقولي : ( السلمي ) ، من الزيادات على ابن الصلاح ، وفائدته عدم الاشتباه ، فإن في الكوفيين أربعة كلهم حصين بن عبد الرحمن ، ليس فيهم بهذا النسب إلا هذا .

ومنهم : عارم اسمه : محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي ، وعارم لقب له ، وهو أحد الثقات الأثبات ، روى عنه البخاري في صحيحه ، ومسلم بواسطة ، قال البخاري : "تغير في آخر عمره" . وقال أبو حاتم : اختلط في آخر عمره ، وزال عقله ، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح ، قال : وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة ، ولم أسمع منه بعدما اختلط . فمن سمع منه قبل سنة عشرين ومائتين ، فسماعه جيد ، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين . وقال الحسين بن عبد الله الذارع ، عن أبي داود : بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة ، ثم راجعه عقله ، واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة ، وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره ، وتغير حتى كاد لا يدري ما يحدث به ، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة ، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون ، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل . وأنكر صاحب الميزان ، هذا القول من ابن حبان ، ووصفه بالتسخيف والتهوير ، وحكى قول الدارقطني : تغير بأخرة ، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر ، وهو ثقة [ ص: 336 ] .

إذا تقرر ذلك ، فممن سمع منه قبل اختلاطه : أحمد بن حنبل ، وعبد الله بن محمد المسندي ، وأبو حاتم الرازي ، وأبو علي محمد بن أحمد بن خالد الزريقي ، وقال ابن الصلاح : ما رواه عنه : البخاري ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وغيرهما من الحفاظ ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه . انتهى ، وممن سمع منه بعد اختلاطه : أبو زرعة الرازي ، وعلي بن عبد العزيز البغوي . وكانت وفاته سنة أربع وعشرين ومائتين .

ومنهم : عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، أحد الثقات الذين احتج بهم الشيخان . قال عباس الدوري ، عن يحيى بن معين : اختلط بأخرة . وقال عقبة بن مكرم العمي : اختلط قبل موته بثلاث سنين ، أو أربع سنين ، قال صاحب الميزان : لكنه ما ضر تغيره حديثه ، فإنه ما حدث بحديث في زمن التغير ، ثم استدل بقول أبي داود : تغير جرير بن حازم ، وعبد الوهاب الثقفي ، فحجب الناس عنهم . ومات سنة أربع وتسعين ومائة ، وقيل : سنة أربع وثمانين .

ومنهم : عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، احتج به الشيخان ، قال أحمد : أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر . ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره ، فهو ضعيف السماع ، وقال أيضا : كان يلقن بعدما عمي ، وقال النسائي : فيه نظر ، لمن كتب عنه بأخرة . انتهى [ ص: 337 ] .

فممن سمع منه قبل اختلاطه : أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، ووكيع في آخرين . وممن سمع منه بعد اختلاطه : أحمد بن محمد بن شبويه ، وإبراهيم بن منصور الرمادي ، ومحمد بن حماد الظهراني ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري ، قال إبراهيم الحربي : مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين ، أو سبع سنين . وقال ابن عدي : استصغر في عبد الرزاق ، قال الذهبي : إنما اعتنى به أبوه فأسمعه منه تصانيفه ، وله سبع سنين ، أو نحوها ، وقد احتج به أبو عوانة في صحيحه ، وغيره . انتهى . وكأن من احتج به لم يبال بتغيره ; لكونه إنما حدثه من كتبه ، لا من حفظه ، قال ابن الصلاح : وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدا . فأحلت أمرها على ذلك ، وتوفي سنة إحدى عشرة ومائتين .

ومنهم - فيما زعموا - : ربيعة الرأي - شيخ مالك - وهو : ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، واسم أبيه : فروخ ، وهو أحد الأئمة الثقات ، احتج به الشيخان ، ولم أر من ذكر أنه اختلط إلا ابن الصلاح ، فقال : "قيل : إنه تغير في آخر عمره ، وترك الاعتماد عليه لذلك" ، فلذلك أتيت بقولي : ( فيما زعموا ) ، وقد وثقه أحمد ، وأبو حاتم ، والعجلي ، والنسائي ، وآخرون . إلا أن ابن سعد بعد أن وثقه ، [ ص: 338 ] قال : "كانوا يتقونه لموضع الرأي" ، وذكره النباتي في ذيل الكامل ، وقال : إن البستي ذكره في الزيادات ، قلت : قد ذكره البستي في الثقات ، وقال : توفي سنة ست وثلاثين ومائة .

ومنهم : صالح مولى التوأمة ، وهو : صالح بن نبهان ، اختلف في الاحتجاج به ، قال أحمد : أدركه مالك ، وقد اختلط وهو كبير ، وما أعلم به بأسا ممن سمع منه قديما ، فقد روى عنه أكابر أهل المدينة . وقال ابن معين : ثقة خرف قبل أن يموت ، فمن سمع منه قبل ، هو ثبت . وقيل له : إن مالكا تركه ، فقال : إنما أدركه بعد أن خرف ، وقال ابن المديني : ثقة إلا أنه خرف وكبر . وقال ابن حبان : "تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات ، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ، ولم يتميز ، واستحق الترك" . وحكى ابن الصلاح كلام ابن حبان مقتصرا عليه .

قلت : قد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما ، ممن سمع منه بعد التغير ، فممن سمع منه قديما : محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، قاله يحيى بن معين ، وعلي بن [ ص: 339 ] المديني ، والجوزجاني ، وابن عدي . وكذلك ابن جريج ، وزياد بن سعد ، قاله ابن عدي . وممن سمع منه بعد الاختلاط : مالك ، والسفيانان ، ومات سنة خمس وعشرين ومائة ، وقيل : سنة ست .

ومنهم : سفيان بن عيينة أحد الأئمة الثقات ، قال يحيى بن سعيد القطان : أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين ، فمن سمع منه في هذه السنة ، وبعد هذا ، فسماعه لا شيء ، هكذا حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، عن القطان . قال صاحب الميزان : "وأنا أستبعده ، وأعده غلطا من ابن عمار ، فإن القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين ، وقت قدوم الحاج ، ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز ، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ؟ ثم يشهد عليه بذلك ، والموت قد نزل به ، ثم قال : فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع . وقال سمع منه فيها ، أي : سنة سبع ، محمد بن عاصم صاحب ذلك الجزء العالي ، قال : ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع ، فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ، ولم يلقه أحد فيها ، فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر . قال ابن الصلاح : "ويحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة ، وأشباهه" ، وقال ابن الصلاح : "إنه توفي سنة تسع وتسعين" [ ص: 340 ] .

قلت : والمعروف ما تقدم ، فإنه مات بمكة يوم السبت ، أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين ، قاله محمد بن سعد ، وابن زبر ، وابن حبان ، إلا أنه قال آخر يوم من جمادى الآخرة .

ومنهم : المسعودي ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، قال ابن سعد : ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره ، ورواية المتقدمين عنه صحيحة . وقال أبو حاتم : "تغير بأخرة قبل موته بسنة ، أو سنتين" وقال محمد بن عبد الله بن نمير : كان ثقة ، فلما كان بأخرة اختلط . وقال أحمد : إنما اختلط ببغداد ، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة ، فسماعه جيد . وقال ابن معين : من سمع منه زمان أبي جعفر ، فهو صحيح السماع ، ومن سمع منه في زمان المهدي فليس سماعه بشيء . قلت : وكانت وفاة أبي جعفر المنصور بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ، وكانت مدة اختلاطه ، كما قال أبو حاتم ، فإن المسعودي مات سنة ستين ومائة ببغداد ، وقال ابن حبان : اختلط حديثه فلم يتميز ، فاستحق الترك . وكذا قال أبو الحسن بن القطان : كان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه ، مما رواه بعد [ ص: 341 ] .

قلت : قد ميز الأئمة بين جماعة ممن سمع منه في الصحة ، أو الاختلاط . فممن سمع منه قديما قبل الاختلاط : وكيع ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، قاله أحمد بن حنبل . وممن سمع منه بعد الاختلاط : أبو النضر هاشم بن القاسم وعاصم بن علي ، قاله أحمد أيضا ، وكذلك سمع منه بأخرة : عبد الرحمن بن مهدي ، ويزيد بن هارون ، قاله ابن نمير . وقد قيل : إن أبا داود الطيالسي سمع منه بعد ما تغير ، قاله سلم بن قتيبة .

ومنهم من المتأخرين : أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة حفيد الحافظ أبي بكر بن خزيمة ، وكذلك أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي الجرجاني ، فذكر الحافظ أبو علي البرذعي ، ثم السمرقندي في معجمه أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما .

قلت : أما الحفيد فقد اختلط قبل موته بثلاث سنين وتجنب الناس الرواية عنه ، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ، وقد احتج الإسماعيلي بالغطريفي في صحيحه ، وتوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة .

ومنهم : أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي راوي مسند أحمد والزهد له .

قال ابن الصلاح : اختل في آخر عمره ، وخرف ، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه ، وقال صاحب الميزان : ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات ، ثم قال : فهذا [ ص: 342 ] غلو وإسراف ، وقد وثقه البرقاني ، والحاكم . وتوفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة ، لسبع بقين من ذي الحجة ، قال ابن الصلاح : "واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين ، أو أحدهما ، فإنا نعرف على الجملة : أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط ، والله أعلم" .




الخدمات العلمية