الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      الخطاب في قوله: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات : للنبي صلى الله عليه وسلم، وخوطب به كما قال: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [آل عمران: 173] يريد به واحدا، فيما ذكره المفسرون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الخطاب لعيسى عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا : قال الحسن، ومجاهد، وغيرهما: معنى {زبرا} : كتبا; أي: تفرقوا كتبا دانوا بها، وكفروا بما سواها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {زبرا} ; فمعناه: قطعا وفرقا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كل حزب بما لديهم فرحون أي: معجبون.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 494 ] وقوله: فذرهم في غمرتهم حتى حين : قال قتادة: أي: في جهالتهم، قال، ومعنى حتى حين : الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات أي: نسارع به في الخيرات، عن الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                      غيره: (ما) من قوله: أنما نمدهم به هي {الخيرات} ، فصار المعنى: نسارع لهم فيه، ثم أظهر، فقال: في الخيرات ، ولا حذف فيه على هذا التقدير، ومعنى الآية: أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخير؟ ومذهب الكسائي: أن {أنما} حرف واحد، فلا يحتاج إلى تقدير حذف، ويكون الوقف على قوله: {وبنين} ، وإنما احتيج إلى تقدير الحذف; لأنه لا بد من ضمير يرجع من الخبر إلى اسم (أن) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون : هو الرجل يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويخاف ألا يتقبل ذلك منه، روت ذلك عائشة رضى الله عنها [ ص: 495 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موافق لقراءة من قرأ: {والذين يأتون ما أتوا}.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه على هذه القراءة: يعملون ما عملوه من الذنوب وهم خائفون.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدير أنهم إلى ربهم راجعون : لأنهم، عن أبى حاتم، الفراء: تقديره، من أنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون أي: إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس المعنى: سبقت لهم من الله السعادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وهم من أجل الخيرات سابقون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بل قلوبهم في غمرة من هذا : قال مجاهد: أي: في عماية من القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: بل قلوبهم في غطاء عن المعرفة أن الذي نمدهم به من مال وبنين استدراج لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة: وصف أهل البر، ثم وصف بعدهم أهل الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أي: خطايا من دون الحق، عن مجاهد، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وابن زيد: المعنى: ولهم أعمال من دون ما هم عليه، لا بد أن يعملوها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب : قال مجاهد: يعني: السيف يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذا هم يجأرون أي: يستغيثون، عن ابن عباس، وكذلك معنى قول غيره وإن اختلفت الألفاظ، وأصله: رفع الصوت; كجؤار الثور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إنكم منا لا تنصرون : قال الحسن: لا تنصرون بقبول التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 496 ] وقوله: فكنتم على أعقابكم تنكصون أي: تستأخرون عن قبول الحق، وهو تمثيل، شبه به من رد الحق; لأنه يمشي في عمى; كما يمشي الذي يمشي القهقرى ولا يدري ما وراءه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: مستكبرين به سامرا تهجرون : قال ابن عباس: المعنى: مستكبرين بحرم الله، لأنه لا يظهر عليكم فيه أحد; ثقة بأمنكم فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: مستكبرين بالقرآن عند استماعه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سامرا تهجرون أي: سمارا، فقيل للجماعة: (سامر) ; كما يقال لجماعة البقر: (باقر) ، ولأنه في موضع المصدر; كما يقال: (قوموا قائما) ; أي قياما، أو لأنه وضع موضع الوقت; والمعنى: تهجرون ليلا; فلما وضع (السامر) موضع (الليل) ; وحده، قاله الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      و(السمر) في قول المبرد: مأخوذ من قولهم (لا أكلمه السمر والقمر) ; أي: الليل والنهار.

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري: يقال لظل القمر: (السمر) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {تهجرون} أي: تهجرون الحق ، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 497 ] الحسن: تهجرون نبيي وكلامي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو من (هجر المريض) ; إذا هذى.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {تهجرون} ; فمعناه: تقولون الهجر; أي: السيئ من القول، عن ابن عباس وغيره; ومعناه: أنهم يجاوزون الحق، ومنه (الهاجرة) : مجاوزة الشمس من المشرق إلى المغرب.

                                                                                                                                                                                                                                      و(السمر) في الآية، مخصوص به المعاصي، وكذلك ما جاء في الآثار من النهي عنه; كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والسمر بعد هدأة [الرجل] - يعني: بعد العشاء الآخرة - أغلقوا الأبواب، أوكوا السقاء، وخمروا الإناء، وأطفئوا المصباح".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 498 ] ونحو ما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: أسمرا أول الليل، ونوما آخره؟! فأما السمر في الطاعات، أو فيما لا معصية فيه; فمباح، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أفلم يدبروا القول يعني: القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولو اتبع الحق أهواءهم : {الحق} : هو الله عز وجل، عن ابن جريج، وأبى صالح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الحق} : القرآن; والمعنى: لو نزل القرآن بما يحبون; لفسدت السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لو اتبع صاحب الحق أهواءهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لو كان الحق على ما يقولون من اتخاذ الآلهة مع الله; لتعالت بعضها على بعض; ففسدت السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بل أتيناهم بذكرهم أي: ببيان الحق، عن ابن عباس، [ ص: 499 ] قتادة: بالقرآن; والمعنى: بما لهم فيه ذكر ثوابهم وعقابهم، وقيل: معنى {بذكرهم} : بشرفهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في الخرج والخراج.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون أي: عن الحق لعادلون، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: عن صراط جهنم لناكبون في جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: عن طريق الجنة لعادلون إلى طريق النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون : قيل: المعنى: ولو رحمناهم في الدنيا، عن ابن جريج، وقيل: المعنى: ولو رحمناهم في الآخرة، فرددناهم إلى الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون (الاستكانة) : الذلة، والخضوع، وهو من السكون، والأصل: (استكنوا) ; أي: (افتعلوا) ; فالألف مشبعة من فتحة الكاف، وقد قيل: إنه (استفعلوا) من (الكون) ، وهو بعيد في المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 500 ] و(العذاب) المذكور ههنا يراد به: الجوع، والقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد يعني: السيف يوم بدر، عن ابن عباس وغيره، مجاهد: الجوع، عكرمة: أحد أبواب جهنم، فيه من العذاب ما لم يروه في غيره منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في معنى (مبلسين) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية