الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1376 47 - حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا شعبة قال : حدثنا سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : على كل مسلم صدقة ، فقالوا : يا نبي الله ، فمن لم يجد ؟ قال : يعمل بيده فينفع نفسه ، ويتصدق قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف ، قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر ، فإنها له صدقة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة للجزء الأول بعينه وللجزء الثاني في قوله فليعمل بالمعروف .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : الأول : مسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب ، وقد مر غير مرة . الثاني : شعبة بن الحجاج . الثالث : سعيد بن أبي بردة بضم الباء الموحدة واسمه عامر . الرابع : أبوه أبو بردة عامر . الخامس : جد سعيد ، وهو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه : التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : العنعنة في ثلاثة مواضع .

                                                                                                                                                                                  وفيه : أن شيخه بصري وشعبة واسطي ، والبقية كوفيون .

                                                                                                                                                                                  وفيه : رواية الابن ، عن أبيه ، عن جده .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الزكاة ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن محمد بن المثنى ، وأخرجه النسائي فيه ، عن محمد بن عبد الأعلى .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : " على كل مسلم صدقة " قال بعضهم ، أي : على سبيل الاستحباب المتأكد .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : كلمة " على " تنافي هذا المعنى ، وقال القرطبي : ظاهره الوجوب ، لكن خففه عز وجل حيث جعل ما خفي من المندوبات مسقطا له لطفا منه وتفضلا .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : يمكن أن يحمل ظاهر الوجوب على كل مسلم رأى محتاجا عاجزا عن التكسب ، وقد أشرف على الهلاك ، فإنه يجب عليه أن يتصدق عليه إحياء له ، قال القرطبي : أطلق الصدقة هنا وبينها في حديث أبي هريرة بقوله " في كل يوم " ، وهذا أخرجه مسلم [ ص: 312 ] عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس " الحديث ، وروي عن أبي ذر مرفوعا " يصبح على كل سلامى على أحدكم صدقة " والسلامى بضم السين المهملة وتخفيف اللام المفصل ، وله في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل " قوله : " يا نبي الله فمن لم يجد " ، أي : فمن لم يقدر على الصدقة ، فكأنهم فهموا من الصدقة العطية ، فلذلك قالوا فمن لم يجد ، فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ، ولو بإغاثة الملهوف ، والأمر بالمعروف ، قوله : " يعمل بيده " .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية مسلم " يعتمل بيديه " من الاعتمال من باب الافتعال .

                                                                                                                                                                                  وفيه : معنى التكلف ، قوله : " يعين " من أعان إعانة ، قوله : " الملهوف " بالنصب ; لأنه صفة ذا الحاجة ، وانتصاب هذا على المفعولية ، والملهوف يطلق على المتحسر والمضطر ، وعلى المظلوم ، وتلهف على الشيء : تحسر ، قوله : " فليعمل بالمعروف " .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية البخاري في الأدب " قالوا فإن لم يفعل قال فليمسك عن الشر " وإذا أمسك شره عن غيره ، فكأنه قد تصدق عليه لأمنه منه ، فإن كان شرا لا يعدو نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم ، قوله " فإنها " تأنيث الضمير فيه إما باعتبار الفعلة التي هي الإمساك ، أو باعتبار الخبر ، ووقع في رواية الأدب " فإنه " ، أي : فإن الإمساك ، قوله " له " ، أي : للممسك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستفاد منه ) : يستفاد منه أن الشفقة على خلق الله تعالى لا بد منها ، وهي إما بالمال أو بغيره ، والمال إما حاصل أو مقدور التحصيل له ، والغير إما فعل ، وهو الإعانة ، أو ترك وهو الإمساك ، وأعمال الخير إذا حسنت النيات فيها تنزل منزلة الصدقات في الأجور ، ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة ، ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها ، وأجر الفرض أكثر من النفل ، لقوله : صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة ، عن الرب - عز وجل - " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه " قال إمام الحرمين ، عن بعض العلماء : ثواب الفرض يزيد على ثواب النافلة بسبعين درجة .

                                                                                                                                                                                  واعلم أنه لا ترتيب فيما تضمنه الحديث المذكور ، وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز ، عن خصلة من الخصال المذكورة ، فإنه يمكنه خصلة أخرى ، فمن أمكنه أن يعمل بيده فيتصدق ، وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويمسك عن الشر ، فليفعل الجميع .

                                                                                                                                                                                  وفيه فضل التكسب لما فيه من الإعانة وتقديم النفس على الغير ، والله أعلم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية