الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفهما ( الحيوان المملوك ) ويعرف ذلك بكونه موسوما أو مقرطا مثلا ( الممتنع من صغار السباع ) كذئب ونمر وفهد ونوزع فيه بأن هذه من كبارها وأجيب بحملها على صغيرها أخذا من كلام ابن الرفعة ويرد بأن الصغر من الأمور النسبية فهذه وإن كبرت في نفسها هي صغيرة بالنسبة للأسد ونحوه ( بقوة كبعير وفرس ) وحمار وبغل ( أو بعدو كأرنب وظبي أو طيران كحمام إن وجد بمفازة ) ولو آمنة وهي المهلكة قيل سميت بذلك على القلب تفاؤلا وقال ابن القطاع بل هي من فاز هلك ونجا فهو ضد فهي مفعلة من الهلاك ( فللقاضي ) أو نائبه ( التقاطه للحفظ ) ؛ لأن له ولاية على أموال الغائبين ولا يلزمه وإن خشي ضياعه كما اقتضاه كلامه بل قال السبكي إذا لم يخش ضياعه لا ينبغي أن يتعرض له والأذرعي يجب الجزم [ ص: 325 ] بتركه إذا اكتفى بالرعي وأمن عليه ولو أخذه احتاج إلى الإنفاق عليه قرضا على مالكه واحتاج مالكه لإثبات أنه ملكه وقد يتعذر عليه ذلك وقال القاضي يبيعه حيث لا حمى ويحفظ ثمنه ؛ لأنه الأنفع نعم ينتظر صاحبه يوما أو يومين إن جوز حضوره .

                                                                                                                              والذي يتجه تخيير القاضي بين الثلاثة وقضية لزوم العمل بالأصلح في مال الغائب تعين الأصلح عليه هنا ( وكذا لغيره ) من الآحاد أخذه للحفظ من المفازة ( في الأصح ) صيانة له ومن ثم جاز له ذلك في زمن الخوف قطعا وامتنع إذا أمن عليه أي يقينا قطعا كما في الوسيط ومحله كما اعتمده في الكفاية إن لم يعرف صاحبه وإلا جاز له أخذه قطعا ويكون أمانة بيده ( ويحرم ) على الكل ( التقاطه ) زمن الأمن من المفازة ( للتملك ) للنهي عنه في ضالة الإبل وقيس بها غيرها بجامع إمكان عيشها بلا راع إلى أن يجدها مالكها لتطلبه لها فإن أخذه ضمنه ولم يبرأ إلا برده للقاضي أما زمن النهب فيجوز التقاطه للتملك قطعا في الصحراء وغيرها قيل هذا إن لم يكن عليه أمتعة وإلا ولم يمكن أخذها إلا بأخذه فالظاهر أن له حينئذ أخذه للتملك تبعا لها ؛ ولأن وجودها عليه وهي ثقيلة تمنعه من ورود الماء والشجر والفرار من السباع وقد يفرق بين الأمتعة الخفيفة والثقيلة وهو الأوجه انتهى وفيه نظر واضح إذ لا تلازم بين أخذها وأخذه ولا يلزم من أخذها وهي عليه وضع يده عليه فيتخير في أخذها بين التملك والحفظ وهو لا يأخذ إلا للحفظ ودعوى أن وجودها ثقيلة عليه صيره كغير الممتنع ممنوعة وخرج بالمملوك غيره ككلب يقتنى فيحل التقاطه وله الاختصاص والانتفاع به بعد تعريفه والبعير المقلد تقليد الهدي لواجده أيام منى أخذه وتعريفه فإن خشي خروج وقت النحر نحره وفرقه ويسن له استئذان الحاكم وكان سبب تجويزهم ذلك في مال الغير بمجرد التقليد مع أنه لا يزول به ملكه قوة القرينة المغلبة على الظن أنه هدي مع التوسعة به على الفقراء وعدم تهمة الواجد .

                                                                                                                              فإن المصلحة لهم لا له فاندفع ما لشارح هنا وظاهر أنه لو ظهر صاحبه وقال إنه غير هدي صدق بيمينه [ ص: 326 ] وحينئذ فالقياس أن الذابح يستقر عليه ما بين قيمته حيا ومذبوحا ؛ لأنه الذي فوته بذبحه والآكلين تستقر عليهم قيمة اللحم والذابح طريق ورجح الزركشي من تردد له في موقوف وموصى بمنفعته أبدا لم يعلم مستحقهما أنه لا يتملك والذي يتجه في الأول جواز تملك منفعته بعد التعريف ؛ لأنها مملوكة للموقوف عليه فهي من حيز الأموال المملوكة وفي الثاني جواز تملكها كرقبته ؛ لأنهما مملوكان ؛ الرقبة للوارث والمنفعة للموصى له ( وإن وجد ) الحيوان المذكور ( بقرية ) مثلا أو قريب منها أي عرفا بحيث لا يعد في مهلكة فيما يظهر ( فالأصح جواز التقاطه ) في غير الحرم والأخذ بقصد الخيانة ( للتملك ) لسوق أيدي الخونة إليه هنا دون المفازة لندرة طروقها ولاعتياد إرسالها فيها بلا راع فلا تكون ضالة بخلاف العمران وقد يمتنع التملك كالبعير المقلد وكما لو دفعها للقاضي معرضا عنها ثم عاد لإعراضه المسقط لحقه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في بيان لقط الحيوان إلخ ( قوله ويعرف ذلك بكونه موسوما إلخ ) الظاهر أنه إنما يحتاج للعلامة في نحو الطير دون الماشية ؛ لأنها لا تكون إلا مملوكة ( قوله ولا يلزمه إلخ ) يمكن أن يجيء هنا ما مر في شرح قوله أول الباب وقيل يجب ( قوله والأذرعي يجب إلخ ) لعل ما قاله الأذرعي متعين [ ص: 325 ] قوله تعين الأصلح عليه هنا ) يجب الجزم به فإنه المتجه لا التخيير الذي قاله ( قوله وامتنع إذا أمن عليه إلخ ) عبارة المنهج الحيوان المملوك الممتنع من صغار السباع يجوز لقطه لا من مفازة آمنة لتملك ا هـ فأفاد جواز لقطه من مفازة غير آمنة لتملك فللحفظ أولى كما أفاد جواز لقطه للحفظ لكن يمكن حمله على ما إذا لم يتيقن الأمن عليه حتى لا يخالف ما ذكره الشارح ( قوله وامتنع إذا أمن عليه ) أي يقينا قطعا كما في الوسيط ومحله كما اعتمده في الكفاية إذا لم يعرف صاحبه وإلا جاز له أخذه قطعا ويكون أمانة في يده شرح م ر ( قوله وفيه نظر واضح إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله وهو لا يأخذه إلخ ) أي في المفازة الآمنة ( قوله ودعوى أن وجودها ثقيلة إلخ ) وقضية هذه الدعوى أنه لو وجده معقولا أو مربوطا بنحو شجرة أن يصير كغير الممتنع وهو بعيد من كلامهم ( قوله غيره ) هلا فصل فيه كالمملوك [ ص: 326 ] قوله وحينئذ فالقياس إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله والآكلين ) عطف على الذابح ش ( قوله قيمة اللحم ) هلا قال مثل اللحم ( قوله أبدا لم يعلم مستحقهما ) أي ولكن علم أن الأول موقوف والثاني موصى بمنفعته أبدا ( قوله والذي يتجه إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله والأخذ ) عطف على الحرم ش



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              في بيان لقط الحيوان وغيره ( قوله في بيان لقط ) إلى الفرع في النهاية إلا قوله ورجح الزركشي إلى والذي يتجه وقوله ويفرق إلى ولا يجوز وقوله خلافا لمن وهم فيه ( قوله وتعريفهما ) أي وما يتبع ذلك كدفعهما للقاضي ا هـ ع ش ( قوله موسوما إلخ ) الظاهر أنه إنما يحتاج للعلامة في نحو الطير دون الماشية ؛ لأنها لا تكون إلا مملوكة سم على حج وقوله في نحو الطير أي كالوحش ا هـ ع ش ( قوله أو مقرطا ) كمعظم أي في إذنه قرط وهو هنا الحلقة مطلقا لا ما يعلق في شحمة الأذن خاصة الذي هو معناه ا هـ ع ش ( قوله كذئب إلخ ) إن جعل تمثيلا للسباع لا لصغار السباع سقط النزاع المشار إليه من أصله ويوضحه ما سيأتي في الحاشية المتعلقة بالحمار والبقر ا هـ سيد عمر ( قوله فيه ) أي التمثيل بهذه الثلاثة ( قوله ويرد ) أي كل من النزاع والجواب عبارة النهاية وما نوزع به من كون إلخ وأجيب عنه بحملها إلخ مردود ا هـ قول المتن ( كبعير إلخ ) ظاهره ولو كان معقولا وهل يجوز فك عقاله إذا لم يأخذه ليرد الشجر والماء فيه نظر والأقرب الجواز ولا ضمان عليه بل لا يبعد الوجوب إن غلب على ظنه أنه لا يتمكن من ورود الماء والشجر إلا بذلك ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله وحمار وبقر ) أي وبغل نهاية ومغني قال السيد عمر في ذكر الحمار والبقر فيما يمتنع بقوة إشعار بأن مرادهم صغار النمر ونحوه لا مطلقه إذ ليس لهما قوة يمتنعان بها عن كبار النمر والفهد ؛ لأن الضبع الكبير وهو أضعف منهما بكثير يتصرف في الحمار ويأكله ويفترسه ولا يمتنع عنه بقوته والله أعلم ا هـ عبارة البجيرمي وإنما لم يعتبروا الامتناع من كبارها ؛ لأن الكبار أقل فعولوا على الكثير الأغلب وإلى هذا أشار الشارح في التعليل بقوله ؛ لأنه مصوب بالامتناع من أكثر السباع ا هـ تأمل ( قوله وهي المهلكة ) أي شأنها ذلك فلا ينافي قوله ولو آمنة ( قوله سميت ) أي المهلكة ( بذلك ) أي بلفظ المفازة ( قوله على القلب ) أي قلب اسم أحد الضدين ونقله إلى الآخر ( قوله تفاؤلا ) أي بالفوز ( قوله بل هي ) أي المفازة ( قوله من فاز إلخ ) الأولى من أسماء الأضداد يقال فاز إذا نجا أو هلك عبارة الرشيدي كان الأولى من فاز هلك إذ يستعمل فيه كنجا فهو ضد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من الهلاك ) كان الأولى من الفوز بمعنى الهلاك ا هـ رشيدي .

                                                                                                                              ( قوله ولا يلزمه إلخ ) يمكن أن يجيء هنا ما مر في شرح قوله أول الباب وقيل يجب ا هـ سم أي من قول الشارح وقال جمع إلخ عبارة ع ش قياس ما مر من الوجوب على الملتقط إن علم ضياعها لو لم يأخذها وجوبه على القاضي إن علم ذلك ومع ذلك لو تركها لا ضمان عليه كما مر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والأذرعي إلخ ) عبارة المغني قال الأذرعي [ ص: 325 ] وهذا أي ما قاله السبكي حسن في غير الحاكم انتهى وهو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والأذرعي يجب إلخ ) لعل ما قاله الأذرعي متعين ا هـ سم ( قوله بتركه ) أي ترك الأخذ ا هـ ع ش ( قوله ولو أخذه إلخ ) عطف على إذا اكتفى إلخ أو حال من فاعله ( قوله وقال القاضي إلخ ) عطف على قول المتن للحفظ عبارة النهاية فإنه لم يكن ثم حمى قال القاضي إلخ وهي أحسن ( قوله بين الثلاثة ) أي الالتقاط أي للحفظ والترك والبيع خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ع ش من أن المراد الثلاثة الآتية في كلام المصنف لفساده كما لا يخفى ا هـ رشيدي ( قوله وقضية لزوم العمل إلخ ) عبارة النهاية والأوجه تخيير الحاكم بين الثلاثة مع رعاية الأصلح أخذا من إلزامه بالعمل به في مال الغائب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله تعين الأصلح إلخ ) يجب الجزم به فإنه المتجه لا التخيير الذي قاله ا هـ سم ( قوله من الآحاد ) إلى قوله قيل في المغني ( قوله جاز له ذلك ) أي للغير الأخذ للحفظ ( قوله كما في الوسيط ) تقدم مثله عن الأذرعي فيما لو اكتفى بالرعي وانظر هل ما هنا يغني عن كلام الأذرعي أم لا وقد يقال الثاني بناء على أن الأذرعي لا يشترط تيقن الأمن بل يكتفي بالعادة الغالبة في محله ا هـ ع ش ( قوله ومحله ) أي محل الخلاف المحكي بقول المتن في الأصح ا هـ سيد عمر ( قوله وإلا جاز له إلخ ) عبارة المغني محل الخلاف كما قاله الدارمي إذا لم يعرف مالكه فإن عرفه وأخذه ليرد إليه كان في يده أمانة جزما حتى يصل إليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على الكل ) أي الإمام وغيره ( قوله بجامع إمكان عيشها ) أي الضالة الشاملة لضالة الإبل وغيرها ( قوله فإن أخذه ) أي للتملك وينبغي أن مثله ما لو أطلق ا هـ ع ش ( قوله إلا برده للقاضي ) هو ظاهر إن كان الملتقط غير القاضي فإن كان الملتقط القاضي فهل يكفي في زوال الضمان عنه جعل يده للحفظ من الآن أو يجب رده إلى قاض ولو نائبه فيه نظر والأقرب الأول ا هـ ع ش ( قوله للقاضي ) ما الحكم لو فقد أو فقدت أمانته ا هـ سيد عمر وقد يقال يجعل يده حينئذ للحفظ من الآن أو يرده إلى أمين آخر إن كان أمينا وإلا فيرده إلى أمين فليراجع ( قوله قيل هذا ) أي قول المصنف ويحرم التقاطه للتملك ( قوله أمتعة ) ومنها البرذعة ونحوها من كل ما عليه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله يمنعه من ورود الماء إلخ ) أي فيصيره كغير الممتنع ( قوله في أخذها ) أي الأمتعة و ( قوله وهو إلخ ) أي الحيوان في المفازة الآمنة ا هـ سم ( قوله ممنوعة ) أي لا نسلم أن كونها عليه يمنعه من الرعي وورود الماء ودفع السباع ا هـ ع ش يعني لا نسلم إطلاقه وكليته ( قوله غيره إلخ ) هلا فصل فيه كالمملوك ا هـ سم ( قوله بعد تعريفه سنة ) إن كان عظيم المنفعة كما يأتي ( قوله والبعير إلخ ) هو من الغير الخارج بالمملوك فلو عطفه على كلب ثم قال فلواجده إلخ بالفاء لكان أولى ( قوله أخذه إلخ ) فاعل الظرف والمجموع خبر أو لبعير إلخ ( قوله قوة القرينة إلخ ) خبر وكان إلخ ا هـ رشيدي ( قوله مع التوسعة به على الفقراء ) [ ص: 326 ] أي وإن كان هو فقيرا فلا يمنعه فقره من ذبحه على أنه قد يقال لا يجوز له الأخذ منه وإن كان فقيرا لاتحاد القابض والمقبض ا هـ ع ش أقول : وقوله على أنه إلخ قد يؤيده قول الشارح كالنهاية وعدم تهمة الواجد إلخ ( قوله والآكلين ) عطف على الذابح ش ا هـ سم ( قوله قيمة اللحم ) هلا قال مثل اللحم ا هـ سم عبارة النهاية بدل اللحم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والذابح طريق ) قضية إطلاقه وإن تعذرت معرفة الآكلين وهو ظاهر ؛ لأن حال الذابح كحال من غصب مال غيره يظنه ماله ثم غصب منه وتعذر انتزاعه فإنه طريق في الضمان وإن لم يعرف الآخذ منه ا هـ ع ش ( قوله في موقوف إلخ ) أي من المنقولات أما غيرها فلا لعدم انطباق تعريف اللقطة عليها إذ هي من الأموال المحرزة وقد تقدم أن أمرها لأمين بيت المال ا هـ ع ش ( قوله لم يعلم مستحقهما ) أي ولكن علم أن الأول موقوف والثاني موصى بمنفعته أبدا ا هـ سم ( قوله الرقبة للوارث ) مبتدأ وخبر ( قوله والأخذ ) عطف على الحرم ش ا هـ سم أي وغير الأخذ إلخ ( قوله ولاعتياد إلخ ) عطف على قوله لندرة إلخ ( قوله كالبعير إلخ ) وكالجارية التي لا تحل له فإنه لا يتملكها بناء على أنه لا يجوز اقتراضها ا هـ مغني ( قوله المقلد ) أي تقليد الهدي ا هـ سيد عمر ( قوله وكما لو دفعها ) أي اللقطة مطلقا ا هـ سيد عمر أي حيوانا أولا في المفازة وغيرها




                                                                                                                              الخدمات العلمية