[ ص: 198 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114nindex.php?page=treesubj&link=28975لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما .
لم تخل الحوادث التي أشارت إليها الآي السابقة ، ولا الأحوال التي حذرت منها ، من تناج وتحاور ، سرا وجهرا ، لتدبير الخيانات وإخفائها وتبييتها ، لذلك كان المقام حقيقا بتعقيب جميع ذلك بذكر النجوى وما تشتمل عليه ، لأن في ذلك تعليما وتربية وتشريعا ، إذ النجوى من أشهر الأحوال العارضة للناس في مجتمعاتهم ، لا سيما في وقت ظهور المسلمين
بالمدينة ، فقد كان فيها المنافقون
واليهود وضعفاء المؤمنين ، وكان التناجي فاشيا لمقاصد مختلفة ، فربما كان يثير في نفوس الرائين لتلك المناجاة شكا ، أي خوفا ، إذ كان المؤمنون في حال مناواة من المشركين وأهل الكتاب ، فلذلك تكرر النهي عن النجوى في القرآن نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى الآيات ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=47إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ، فلذلك ذم الله النجوى هنا أيضا ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لا خير في كثير من نجواهم . فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا لإفادة حكم النجوى ، والمناسبة قد تبينت .
والنجوى مصدر ، هي المسارة في الحديث ، وهي مشتقة من النجو ، وهو المكان المستتر الذي المفضي إليه ينجو من طالبه ، ويطلق النجوى على المناجين ، وفي القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=47إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ، وهو وصف بالمصدر والآية تحتمل المعنيين . والضمير الذي أضيف إليه نجوى ضمير جماعة الناس كلهم ، نظير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5وما يعلنون في سورة هود ، وليس عائدا إلى ما عادت إليه الضمائر التي قبله في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108يستخفون من الناس إلى هنا; لأن المقام مانع من عوده إلى تلك الجماعة إذ لم تكن نجواهم إلا فيما يختص بقضيتهم ، فلا عموم لها يستقيم معه الاستثناء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس . وعلى هذا فالمقصود من الآية تربية اجتماعية دعت إليها المناسبة ، فإن شأن المحادثات
[ ص: 199 ] والمحاورات أن تكون جهرة ، لأن الصراحة من أفضل الأخلاق لدلالتها على ثقة المتكلم برأيه ، وعلى شجاعته في إظهار ما يريد إظهاره من تفكيره ، فلا يصير إلى المناجاة إلا في أحوال شاذة يناسبها إخفاء الحديث . فمن يناجي في غير تلك الأحوال رمي بأن شأنه ذميم ، وحديثه فيما يستحيي من إظهاره ، كما قال
صالح بن عبد القدوس :
الستر دون الفاحشات ولا يغشاك دون الخير من ستر
وقد نهى الله المسلمين عن النجوى غير مرة ، لأن التناجي كان من شأن المنافقين فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا .
وقد ظهر من
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341577nindex.php?page=treesubj&link=18218_18411نهي النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يتناجى اثنان دون ثالث أن النجوى تبعث الريبة في مقاصد المتناجين ، فعلمنا من ذلك أنها لا تغلب إلا على أهل الريب والشبهات ، بحيث لا تصير دأبا إلا لأولئك ، فمن أجل ذلك نفى الله الخير عن أكثر النجوى .
ومعنى لا خير أنه شر ، بناء على المتعارف في نفي الشيء أن يراد به إثبات نقيضه ، لعدم الاعتداد بالواسطة ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولأن مقام التشريع إنما هو بيان الخير والشر .
وقد نفى الخير عن كثير من نجواهم أو متناجيهم ، فعلم من مفهوم الصفة أن قليلا من نجواهم فيه خير ، إذ لا يخلو حديث الناس من تناج فيما فيه نفع . والاستثناء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114إلا من أمر بصدقة على تقدير مضاف ، أي : إلا نجوى من أمر ، أو بدون تقدير إن كانت النجوى بمعنى المتناجين ، وهو مستثنى من " كثير " ، فحصل من مفهوم الصفة ومفهوم الاستثناء قسمان من النجوى يثبت لهما الخير ، ومع ذلك فهما قليل من نجواهم . أما القسم الذي أخرجته الصفة ، فهو مجمل يصدق في الخارج على كل نجوى تصدر منهم فيها نفع ، وليس فيها ضرر ، كالتناجي في تشاور فيمن يصلح لمخالطة ، أو نكاح أو نحو ذلك .
[ ص: 200 ] وأما القسم الذي أخرجه الاستثناء فهو مبين في ثلاثة أمور : الصدقة ، والمعروف ، والإصلاح بين الناس . وهذه الثلاثة لو لم تذكر لدخلت في القليل من نجواهم الثابت له الخير ، فلما ذكرت بطريق الاستثناء علمنا أن نظم الكلام جرى على أسلوب بديع فأخرج ما فيه الخير من نجواهم ابتداء بمفهوم الصفة ، ثم أريد الاهتمام ببعض هذا القليل من نجواهم ، فأخرج من كثير نجواهم بطريق الاستثناء ، فبقي ما عدا ذلك من نجواهم ، وهو الكثير ، موصوفا بأن لا خير فيه وبذلك يتضح أن الاستثناء متصل ، وأن لا داعي إلى جعله منقطعا . والمقصد من ذلك كله الاهتمام والتنويه بشأن هذه الثلاثة ، ولو تناجى فيها من غالب أمره قصد الشر .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114ومن يفعل ذلك إلخ وعد بالثواب على فعل المذكورات إذا كان لابتغاء مرضاة الله ، فدل على أن كونها خيرا وصف ثابت لها لما فيها من المنافع ، ولأنها مأمور بها في الشرع ، إلا أن الثواب لا يحصل إلا عن فعلها ابتغاء مرضاة الله كما في حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341578إنما الأعمال بالنيات .
وقرأ الجمهور : " نؤتيه " بنون العظمة على الالتفات من الغيبة في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114مرضاة الله إلى التكلم .
وقرأه
أبو عمرو ، وحمزة ، وخلف بالتحتية على ظاهر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114ابتغاء مرضاة الله .
[ ص: 198 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114nindex.php?page=treesubj&link=28975لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .
لَمْ تَخْلُ الْحَوَادِثُ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا الْآيُ السَّابِقَةُ ، وَلَا الْأَحْوَالُ الَّتِي حَذَّرَتْ مِنْهَا ، مِنْ تَنَاجٍ وَتَحَاوُرٍ ، سِرًّا وَجَهْرًا ، لِتَدْبِيرِ الْخِيَانَاتِ وَإِخْفَائِهَا وَتَبْيِيتِهَا ، لِذَلِكَ كَانَ الْمَقَامُ حَقِيقًا بِتَعْقِيبِ جَمِيعِ ذَلِكَ بِذِكْرِ النَّجْوَى وَمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْلِيمًا وَتَرْبِيَةً وَتَشْرِيعًا ، إِذِ النَّجْوَى مِنْ أَشْهَرِ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ لِلنَّاسِ فِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ ، لَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ
بِالْمَدِينَةِ ، فَقَدْ كَانَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ
وَالْيَهُودُ وَضُعَفَاءُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكَانَ التَّنَاجِي فَاشِيًا لِمَقَاصِدَ مُخْتَلِفَةٍ ، فَرُبَّمَا كَانَ يُثِيرُ فِي نُفُوسِ الرَّائِينَ لِتِلْكَ الْمُنَاجَاةِ شَكًّا ، أَيْ خَوْفًا ، إِذْ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ فِي حَالِ مُنَاوَاةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ النَّهْيُ عَنِ النَّجْوَى فِي الْقُرْآنِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى الْآيَاتِ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=47إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=14وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ، فَلِذَلِكَ ذَمَّ اللَّهُ النَّجْوَى هُنَا أَيْضًا ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ . فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِإِفَادَةِ حُكْمِ النَّجْوَى ، وَالْمُنَاسَبَةُ قَدْ تَبَيَّنَتْ .
وَالنَّجْوَى مَصْدَرٌ ، هِيَ الْمُسَارَّةُ فِي الْحَدِيثِ ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ النَّجْوِ ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُسْتَتِرُ الَّذِي الْمُفْضِي إِلَيْهِ يَنْجُو مِنْ طَالِبِهِ ، وَيُطْلَقُ النَّجْوَى عَلَى الْمُنَاجِينَ ، وَفِي الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=47إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى ، وَهُوَ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ . وَالضَّمِيرُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ نَجْوَى ضَمِيرُ جَمَاعَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ ، نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5وَمَا يُعْلِنُونَ فِي سُورَةِ هُودٍ ، وَلَيْسَ عَائِدًا إِلَى مَا عَادَتْ إِلَيْهِ الضَّمَائِرُ الَّتِي قَبْلَهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ إِلَى هُنَا; لِأَنَّ الْمَقَامَ مَانِعٌ مِنْ عَوْدِهِ إِلَى تِلْكَ الْجَمَاعَةِ إِذْ لَمْ تَكُنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِقَضِيَّتِهِمْ ، فَلَا عُمُومَ لَهَا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ . وَعَلَى هَذَا فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ تَرْبِيَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ دَعَتْ إِلَيْهَا الْمُنَاسَبَةُ ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمُحَادَثَاتِ
[ ص: 199 ] وَالْمُحَاوَرَاتِ أَنْ تَكُونَ جَهْرَةً ، لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَخْلَاقِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى ثِقَةِ الْمُتَكَلِّمِ بِرَأْيِهِ ، وَعَلَى شَجَاعَتِهِ فِي إِظْهَارِ مَا يُرِيدُ إِظْهَارَهُ مِنْ تَفْكِيرِهِ ، فَلَا يَصِيرُ إِلَى الْمُنَاجَاةِ إِلَّا فِي أَحْوَالٍ شَاذَّةٍ يُنَاسِبُهَا إِخْفَاءُ الْحَدِيثِ . فَمَنْ يُنَاجِي فِي غَيْرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ رُمِيَ بِأَنَّ شَأْنَهُ ذَمِيمٌ ، وَحَدِيثَهُ فِيمَا يَسْتَحْيِي مِنْ إِظْهَارِهِ ، كَمَا قَالَ
صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ :
السِّتْرُ دُونَ الْفَاحِشَاتِ وَلَا يَغْشَاكَ دُونَ الْخَيْرِ مِنْ سِتْرِ
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ النَّجْوَى غَيْرَ مَرَّةٍ ، لِأَنَّ التَّنَاجِيَ كَانَ مِنْ شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=8أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا .
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341577nindex.php?page=treesubj&link=18218_18411نَهْيِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثٍ أَنَّ النَّجْوَى تَبْعَثُ الرِّيبَةَ فِي مَقَاصِدِ الْمُتَنَاجِينَ ، فَعَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَغْلِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الرِّيَبِ وَالشُّبُهَاتِ ، بِحَيْثُ لَا تَصِيرُ دَأْبًا إِلَّا لِأُولَئِكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَفَى اللَّهُ الْخَيْرَ عَنْ أَكْثَرِ النَّجْوَى .
وَمَعْنَى لَا خَيْرَ أَنَّهُ شَرٌّ ، بِنَاءً عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي نَفْيِ الشَّيْءِ أَنْ يُرَادَ بِهِ إِثْبَاتُ نَقِيضِهِ ، لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْوَاسِطَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=32فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ، وَلِأَنَّ مَقَامَ التَّشْرِيعِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
وَقَدْ نَفَى الْخَيْرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ أَوْ مُتَنَاجِيهِمْ ، فَعُلِمَ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَنَّ قَلِيلًا مِنْ نَجْوَاهُمْ فِيهِ خَيْرٌ ، إِذْ لَا يَخْلُو حَدِيثُ النَّاسِ مِنْ تَنَاجٍ فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ . وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ ، أَيْ : إِلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ ، أَوْ بِدُونِ تَقْدِيرٍ إِنْ كَانَتِ النَّجْوَى بِمَعْنَى الْمُتَنَاجِينَ ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ " كَثِيرٍ " ، فَحَصَلَ مِنْ مَفْهُومِ الصِّفَةِ وَمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ قِسْمَانِ مِنَ النَّجْوَى يَثْبُتُ لَهُمَا الْخَيْرُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمَا قَلِيلٌ مِنْ نَجْوَاهُمْ . أَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي أَخْرَجَتْهُ الصِّفَةُ ، فَهُوَ مُجْمَلٌ يَصْدُقُ فِي الْخَارِجِ عَلَى كُلِّ نَجْوَى تَصْدُرُ مِنْهُمْ فِيهَا نَفْعٌ ، وَلَيْسَ فِيهَا ضَرَرٌ ، كَالتَّنَاجِي فِي تَشَاوُرٍ فِيمَنْ يَصْلُحُ لِمُخَالَطَةٍ ، أَوْ نِكَاحٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
[ ص: 200 ] وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الِاسْتِثْنَاءُ فَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ : الصَّدَقَةُ ، وَالْمَعْرُوفُ ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ . وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَوْ لَمْ تُذْكَرْ لَدَخَلَتْ فِي الْقَلِيلِ مِنْ نَجْوَاهُمُ الثَّابِتِ لَهُ الْخَيْرُ ، فَلَمَّا ذُكِرَتْ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلِمْنَا أَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ جَرَى عَلَى أُسْلُوبٍ بَدِيعٍ فَأَخْرَجَ مَا فِيهِ الْخَيْرُ مِنْ نَجْوَاهُمُ ابْتِدَاءً بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ أُرِيدُ الِاهْتِمَامُ بِبَعْضِ هَذَا الْقَلِيلِ مِنْ نَجْوَاهُمْ ، فَأُخْرِجَ مِنْ كَثِيرِ نَجْوَاهُمْ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ ، فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ نَجْوَاهُمْ ، وَهُوَ الْكَثِيرُ ، مَوْصُوفًا بِأَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ ، وَأَنْ لَا دَاعِيَ إِلَى جَعْلِهِ مُنْقَطِعًا . وَالْمَقْصِدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الِاهْتِمَامُ وَالتَّنْوِيهُ بِشَأْنِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، وَلَوْ تَنَاجَى فِيهَا مَنْ غَالِبُ أَمْرِهِ قَصْدُ الشَّرِّ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَخْ وَعْدٌ بِالثَّوَابِ عَلَى فِعْلِ الْمَذْكُورَاتِ إِذَا كَانَ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا خَيْرًا وَصْفٌ ثَابِتٌ لَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ ، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا فِي الشَّرْعِ ، إِلَّا أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عَنْ فِعْلِهَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341578إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " نُؤْتِيهِ " بِنُونِ الْعَظَمَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114مَرْضَاةِ اللَّهِ إِلَى التَّكَلُّمِ .
وَقَرَأَهُ
أَبُو عَمْرٍو ، وَحَمْزَةُ ، وَخَلَفٌ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=114ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ .