الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الأول من أنواع علوم الحديث: معرفة الصحيح من الحديث.

اعلم - علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف:

[ ص: 208 ] [ ص: 209 ] [ ص: 210 ] [ ص: 211 ] [ ص: 212 ]

التالي السابق


[ ص: 208 ] [ ص: 209 ] [ ص: 210 ] [ ص: 211 ] [ ص: 212 ] النوع الأول: معرفة الصحيح.

3 - قوله: (اعلم - علمك الله وإياي - أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف). انتهى.

وقد اعترض عليه بأمرين: أحدهما أن في الترمذي مرفوعا: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه" فكان الأولى أن يقول: علمنا الله وإياك. انتهى ما اعترض به هذا المعترض.

والحديث الذي ذكره من عند الترمذي ليس هكذا وهو حديث أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه، ثم قال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

[ ص: 213 ] ورواه أبو داود أيضا ولفظه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه، وقال رحمة الله علينا وعلى موسى" الحديث.

ورواه النسائي أيضا في سننه الكبرى وهو عند مسلم أيضا كما سيأتي، فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ بنفسه، وإنما هو من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله، وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من الأنبياء كما ثبت في صحيح مسلم في حديث [ ص: 214 ] أبي الطويل في قصة موسى مع الخضر وفيه قال: "وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا، رحمة الله علينا وعلى أخي موسى" الحديث.

فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في قصة زمزم قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا".

وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: "يرحمه الله" الحديث.

[ ص: 215 ] وفي رواية للبخاري أن الرجل هو عباد بن بشر، وللبخاري من حديث سلمة ابن الأكوع: "من السائق؟ قالوا عامر، قال: يرحمه الله" الحديث.

فظهر بذلك أن بدأه بنفسه في الدعاء كان فيما إذا ذكر نبيا من الأنبياء كما تقدم.

[ ص: 216 ] على أنه قد دعا لبعض الأنبياء ولم يذكر نفسه معه وذلك في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" الحديث.

وفي الصحيحين أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: "يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".

الأمر الثاني: أن ما نقله عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه [ ص: 217 ] الأقسام الثلاثة ليس بجيد فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف، وقد ذكر المصنف هذا الخلاف في النوع الثاني في التاسع من التفريعات المذكورة فيه، فقال: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به. قال: وهو الظاهر من كلام أبي عبد الله الحاكم في تصرفاته، إلى آخر كلامه فكان ينبغي الاحتراز عن هذا الخلاف هنا.

والجواب أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله عنهم الخطابي في خطبة معالم السنن، فقال: اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم. ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك، وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن، وهو موجود في كلام الشافعي رضي الله عنه والبخاري وجماعة، ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة، فتبعه المصنف على ذلك هنا، ثم حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف. والله أعلم.




الخدمات العلمية