الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب السرقة من ذوي الأرحام قال أبو بكر قوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما عموم في إيجاب قطع كل سارق إلا ما خصه الدليل ، على النحو الذي قدمنا ، وعلى ما حكينا عن أبي الحسن ، ليس بعموم وهو مجمل محتاج فيه إلى دلالة من غيره في إثبات حكمه . ومن جهة أخرى على أصله أن ما ثبت خصوصه بالاتفاق لا يصح الاحتجاج بعمومه ، وقد بيناه في أصول الفقه ؛ وهو مذهب محمد بن شجاع . إلا أنه وإن كان عموما عندنا لو خلينا ومقتضاه فقد قامت [ ص: 81 ] دلالة خصوصه في ذي الرحم المحرم . وقد اختلف الفقهاء فيه .

ذكر الاختلاف في ذلك : قال أصحابنا : ( لا يقطع من سرق من ذي الرحم ) وهو الذي لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة لم يجز له أن يتزوجها من أجل الرحم الذي بينهما . ولا تقطع أيضا عندهم المرأة إذا سرقت من زوجها ، ولا الزوج إذا سرق من امرأته . وقال الثوري : ( إذا سرق من ذي رحم منه لم يقطع ) . وقال مالك : ( يقطع الزوج فيما سرق من امرأته والمرأة فيما تسرق من زوجها في غير الموضع الذي يسكنان فيه ، وكذلك في الأقارب ) . وقال عبيد الله بن الحسن في الذي يسرق من أبويه : ( إن كان يدخل عليهم لا يقطع ، وإن كانوا نهوه عن الدخول عليهم فسرق قطع ) . وقال الشافعي : ( لا قطع على من سرق من أبويه أو أجداده ، ولا على زوج سرق من امرأته أو امرأة سرقت من زوجها ) . والدليل على صحة قول أصحابنا قول الله عز وجل : ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى قوله : أو ما ملكتم مفاتحه فأباح تعالى الأكل من بيوت هؤلاء ، وقد اقتضى ذلك إباحة الدخول إليها بغير إذنهم ؛ فإذا جاز لهم دخولها لم يكن ما فيها محرزا عنهم ، ولا قطع إلا فيما سرق من حرز وأيضا إباحة أكل أموالهم يمنع وجوب القطع فيها ، لما لهم فيها من الحق كالشريك ونحوه .

فإن قيل فقد قال : أو صديقكم ويقطع فيه مع ذلك إذا سرق من صديقه . قيل له ظاهر الآية ينفي القطع من الصديق أيضا ، وإنما خصصناه بدلالة الاتفاق ودلالة اللفظ قائمة فيما عداه ؛ وعلى أنه لا يكون صديقا إذا قصد السرقة . ودليل آخر ، وهو أنه قد ثبت عندنا وجوب نفقة هؤلاء عند الحاجة إليه وجواز أخذها منه بغير بدل ، فأشبه السارق من بيت المال ، لثبوت حقه فيه بغير بدل يلزمه عند الحاجة إليه .

فإن قيل : قد ثبت هذا الحق عند الضرورة في مال الأجنبي ولم يمنع من القطع بالسرقة منه . قيل له : يعترضان من وجهين :

أحدهما : أنه في مال الأجنبي يثبت عند الضرورة وخوف التلف وفي مال هؤلاء يثبت بالفقر وتعذر الكسب ، والوجه الآخر: أن الأجنبي يأخذه ببدل وهؤلاء يستحقونه بغير بدل كمال بيت المال . وأيضا فلما استحق عليه إحياء نفسه وأعضائه عند الحاجة إليه بالإنفاق عليه ، وكان هذا السارق محتاجا إلى هذا المال في إحياء يده لسقوط [ ص: 82 ] القطع ، صار في هذه الحالة كالفقير الذي يستحق على ذي الرحم المحرم منه الإنفاق عليه لإحياء نفسه أو بعض أعضائه . وأيضا فهو مقيس على الأب بالمعنى الذي قدمناه ؛ والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية