الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين الآية ، ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أمر نبيه نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : أن يحمل في سفينته من كل زوجين اثنين ، وبين في سورة قد أفلح المؤمنون أنه أمره أن يسلكهم - أي يدخلهم - فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      فدل ذلك على أن فيها بيوتا يدخل فيها الراكبون ، وذلك في قوله فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين [ 23 \ 27 ] ، ومعنى اسلك أدخل فيها من كل زوجين اثنين ، تقول العرب : سلكت الشيء في الشيء : أدخلته فيه ، وفيه لغة أخرى وهي : أسلكته فيه ، رباعيا بوزن : أفعل ، والثلاثية لغة القرآن ، كقوله : فاسلك فيها من كل زوجين اثنين الآية [ 23 \ 27 ] ، وقوله اسلك يدك في جيبك الآية [ 28 \ 32 ] ، وقوله : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين الآية [ 26 \ 200 ] ، وقوله : [ ص: 183 ] كذلك نسلكه في قلوب المجرمين الآية [ 15 \ 12 ] ، وقوله : ما سلككم في سقر الآية [ 74 \ 42 ] ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      وكنت لزاز خصمك لم أعدد وقد سلكوك في يوم عصيب

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الرباعية قول عبد مناف بن ربع الهذلي :


                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا أسلكوهم في قتائدة     شلا كما تطرد الجمالة الشردا

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : الذي يظهر لي أن أصل السلك الذي هو الخيط فعل بمعنى مفعول كذبح بمعنى مذبوح ، وقتل بمعنى مقتول ; لأن الخيط يسلك أي يدخل في الخرز لينظمه ، كما قال العباس بن مرداس السلمي :


                                                                                                                                                                                                                                      عين تأوبها من شجوها أرق     فالماء يغمرها طورا وينحدر
                                                                                                                                                                                                                                      كأنه نظم در عند ناظمة     تقطع السلك منه فهو منتثر

                                                                                                                                                                                                                                      والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية