الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الإقرار مناسبته أن المدعى عليه إما منكر أو مقر وهو أقرب لغلبة الصدق ( هو ) لغة الإثبات يقال : قر الشيء إذا ثبت وشرعا ( إخبار بحق عليه ) للغير ( من وجه ، إنشاء من وجه )

قيد بعليه لأنه لو كان لنفسه يكون دعوى لا إقرارا .

ثم فرع على كل من الشبهين فقال ( فا ) لوجه ( الأول ) وهو الإخبار ( صح إقراره بمال مملوك للغير ) ومتى أقر بملك الغير ( يلزمه تسليمه ) إلى المقر له ( إذا ملكه ) [ ص: 589 ] برهة من الزمان لنفاذه على نفسه ، ولو كان إنشاء لما صح لعدم وجود الملك وفي الأشباه أقر بحرية عبد ثم شراه عتق عليه ولا يرجع بالثمن أو بوقفية دار ثم شراها أو ورثها صارت وقفا مؤاخذة له بزعمه ( ولا يصح إقراره بطلاق وعتاق مكرها ) ولو كان إنشاء لصح لعدم التخلف ( وصح إقرار المأذون بعين في يده ، والمسلم بخمر وبنصف داره مشاعا والمرأة بالزوجية من شهود ) ولو كان إنشاء لما صح ( ولا تسمع دعواه عليه ) بأنه أقر له ( بشيء ) معين ( بناء على الإقرار ) له بذلك به يفتى لأنه إخبار يحتمل الكذب حتى لو أقر كاذبا لم يحل له لأن الإقرار ليس سببا للملك . نعم لو سلمه برضاه كان ابتداء هبة ، وهو الأوجه بزازية ( إلا أن يقول ) في دعواه ( هو ملكي ) وأقر لي به أو يقول لي عليه كذا وهكذا أقر به فتسمع إجماعا لأنه لم يجعل الإقرار سببا للوجوب . ثم لو أنكر الإقرار هل يحلف ؟ الفتوى أنه لا يحلف على الإقرار ، بل على المال وأما دعوى الإقرار في الدفع فتسمع عند العامة ( و ) الوجه ( الثاني ) وهو الإنشاء ( لو رد ) المقر له ( إقراره [ ص: 590 ] ثم قبل لا يصح ) ولو كان إخبارا لصح . وأما بعد القبول فلا يرتد بالرد ولو أعاد المقر إقراره فصدقه لزمه لأنه إقرار آخر ثم لو أنكر إقراره الثاني لا يحلف ولا تقبل عليه بينة قال البديع : والأشبه قبولها واعتمده ابن الشحنة وأقره الشرنبلالي ( والملك الثابت به ) بالإقرار ( لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له ) ولو إخبارا لملكها

التالي السابق


كتاب الإقرار ( قوله وهو أقرب ) أي المقر ( قوله : إخبار بحق عليه ) لعله ينتقض بالإقرار بأنه لا حق له على فلان بالإبراء وإسقاط الدين ونحوه كإسقاط حق الشفعة سعدية وقد يقال فيه إخبار بحق عليه ، وهو عدم وجوب المطالبة تأمل ( قوله إنشاء من وجه ) هو الصحيح وقيل : إنشاء وينبني عليه ما سيأتي ، لكن المذكور في غاية البيان عن الأسروشنية .

قال الحلواني : اختلف المشايخ في أن الإقرار سبب للملك أم لا قال ابن الفضل : لا واستدل بمسألتين : إحداهما : المريض الذي عليه دين إذا أقر بجميع ماله لأجنبي يصح بلا إجازة الوارث ، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة . والثانية : أن العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده يصح ولو كان تمليكا يكون تبرعا منه فلا يصح وذكر الجرجاني أنه تمليك ، واستدل بمسائل منها إن أقر في المرض لوارثه بدين لم يصح ا هـ ملخصا فظهر أن ما ذكره المصنف وصاحب البحر جمع بين الطريقتين وكأن وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان تأمل ( قوله لأنه لو كان لنفسه ) أي على الغير ولو للغير على الغير فهو شهادة ( قوله لا إقرارا ) ولا ينتقض بإقرار الوكيل والولي ونحوهما لنيابتهم مناب المنوبات شرعا شرح ملتقى ( قوله صح إقراره بمال إلخ ) ويجبر الغاصب على البيان لأنه أقر بقيمة مجهولة وإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المالك من الزيادة ، فإن حلف ولم يثبت ما ادعاه المالك يحلف أن قيمته مائة ، ويأخذ من الغاصب مائة ، فإذا أخذ ثم ظهر الثوب خير الغاصب بين أخذه أو رده ، وأخذ القيمة . [ ص: 589 ] وحكي عن الحاكم أبي محمد العيني : أنه كان يقول ما ذكر من تحليف المغصوب منه وأخذ المائة بقيمتها من الغاصب هذا بالإنكار يصح ، وكان يقول : الصحيح في الجواب أن يجبر الغاصب على البيان ، فإن أبى يقول له القاضي أكان قيمته مائة فإن قال لا يقول : أكان خمسين فإن قال لا يقول له خمسة وعشرين إلى أن ينتهي إلى ما لا تنقص عنه قيمته عرفا وعادة فيلزمه ذلك من متفرقات إقرار التتارخانية

( قوله برهة ) أي قليلا ( قوله ولا يرجع ) لاقتصار إقراره عليه فلا يتعدى إلى غيره ( قوله مكرها ) لقيام دليل الكذب وهو الإكراه ، والإقرار إخبار يحتمل الصدق والكذب ، فيجوز تخلف مدلوله الوضعي عنه منح ( قوله : لعدم التخلف ) أي لعدم صحة تخلف المدلول الوضعي للإنشاء عنه كذا في الهامش أي فإن الإنشاء لا يتخلف مدلوله عنه ( قوله : والمسلم بخمر ) حتى يؤمر بالتسليم إليه ، ولو كان تمليكا مبتدئا لما صح ، وفي الدرر ، وفيه إشارة إلى أن الخمر قائمة لا مستهلكة ; إذ لا يجب بدلها للمسلم نص عليه في المحيط كما في الشرنبلالية ( قوله : وبنصف داره ) أي القابلة للقسمة ( قوله بناء على الإقرار ) يعني إذا ادعى عليه شيئا لأنه أقر له به لا تسمع دعواه ، لأن الإقرار إخبار لا سبب للزوم المقر به على المقر . وقد علل وجوب المدعى به على المقر بالإقرار ، وكأنه قال أطالبه بما لا سبب لوجوبه عليه أو لزومه بإقراره وهذا كلام باطل منح وبه ظهر أن الدعوى بالشيء المعين ، بناء على الإقرار كما هو صريح المتن لا بالإقرار بناء على الإقرار فقوله بأنه أقر له لا محل له تأمل ( قوله لم يحل له ) أي للمقر له كذا في الهامش ( قوله : ثم لو أنكر إلخ ) وفي دعوى الدين لو قال المدعى عليه : إن المدعي أقر استيفاءه وبرهن عليه ، فقد قيل : إنه لا تسمع ; لأنه دعوى الإقرار في طرق الاستحقاق ; إذ الدين يقضى بمثله ففي الحاصل هذا دعوى الدين لنفسه فكان دعوى الإقرار في طرق الاستحقاق فلا تسمع ط جامع الفصولين وفتاوى قدوري كذا في الهامش والطاء للمحيط ، والذال للذخيرة ومثل ما هو المسطور في جامع الفصولين في البزازية وزاد فيها وقيل يسمع لأنه في الحاصل يدفع أداء الدين عن نفسه ، فكان في طرف ذكره في المحيط .

وذكر شيخ الإسلام برهن المطلوب على إقرار المدعي ، بأنه لا حق له في المدعى أو بأنه ليس بملك له أو ما كانت ملكا له تندفع الدعوى إن لم يقر به لإنسان معروف وكذا لو ادعاه بالإرث ، فبرهن المطلوب على إقرار المورث كما ذكرنا وتمامه فيها كذا في الهامش ( قوله : وأما دعوى الإقرار ) أي بأن المدعي ملك المدعى عليه وأما دعوى الإقرار بالاستيفاء فقيل : لا تسمع قال في الهامش : واختلفوا أنه هل يصح دعوى الإقرار في طرق الدفع ، حتى لو أقام المدعى عليه بينة أن المدعي أقر أن هذه العين ملك المدعى عليه هل تقبل قال بعضهم : لا تقبل [ ص: 590 ] وعامتهم ها هنا على أنها تقبل درر ( قوله ثم لا يصح ) محله فيما إذا كان الحق فيه لواحد مثل الهبة والصدقة ، أما إذا كان لهما مثل الشراء والنكاح فلا وهو إطلاق في محل التقييد ، ويجب أن يقيد أيضا بما إذا لم يكن المقر مصرا على إقراره لما سيأتي من أنه لا شيء له إلا أن يعود إلى تصديقه وهو مصر حموي . وبخط السائحاني عن الخلاصة لو قال لآخر : كنت بعتك العبد بألف فقال الآخر : لم أشتره منك فسكت البائع ، حتى قال المشتري في المجلس أو بعده بلى اشتريته منك بألف ، فهو الجائز وكذا النكاح وكل شيء يكون لهما جميعا فيه حق ، وكل شيء يكون فيه الحق لواحد مثل الهبة والصدقة لا ينفعه إقراره بعد ذلك ( قوله : فلا يرتد ) لأنه صار ملكه ، ونفي المالك ملكه عن نفسه عند عدم المنازع لا يصح .

نعم لو تصادقا على عدم الحق صح لما مر في البيع الفاسد أنه طلب ربح مال ادعاه على آخر فصدقه على ذلك فأوفاه ثم ظهر عدمه بتصادقهما فانظر كيف التصادق اللاحق نقض السابق ، مع أن ربحه طيب حلال سائحاني ( قوله قال البديع ) هو شيخ صاحب القنية ( قوله : الزوائد المستهلكة ) يفيد بظاهره أنه يظهر في الزوائد الغير المستهلكة وهو مخالف لما في الخانية قال رجل في يده جارية وولدها أقر أن الجارية لفلان لا يدخل فيه الولد ، ولو أقام بينة على جارية أنها له يستحق أولادها وكذا لو قال : هذا العبد ابن أمتك وهذا الجدي من شاتك لا يكون إقرارا بالعبد وكذا بالجدي فليحرر حموي س وقيد بالمستهلكة في الأسروشنية ونقله عنها في غاية البيان ( قوله : فلا يملكها ) شرى أمة فولدت عنده باستيلاده ، ثم استحقت ببينة يتبعها ولدها ، ولو أقر بها لرجل لا ، والفرق أنه بالبينة يستحقها من الأصل ولذا قلنا إن الباعة يتراجعون فيما بينهم ، بخلاف الإقرار حيث يتراجعون ف ثم الحكم بأمة حكم بولدها ، وكذا الحيوان ; إذ الحكم حجة كاملة ، بخلاف الإقرار فإنه لم يتناول الولد لأنه حجة ناقصة وهذا لو الولد بيد المدعى عليه فلو في ملك آخر هل يدخل في الحكم اختلف المشايخ نور العين في آخر السابق ففيه مخالفة المفهوم كلام المصنف




الخدمات العلمية