الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4504 4505 ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- في عدة الأمة ما حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن مظاهر بن أسلم ، عن القاسم ، عن عائشة قالت: قال رسول الله -عليه السلام-: " "تعتد الأمة حيضتين، وتطلق تطليقتين". .

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا الصلت بن مسعود الجحدري ، عن عمر بن شبيب المسلي ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عطية ، عن ابن عمر ، -رضي الله عنهما-، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.

                                                فدل ذلك أيضا على ما ذكرنا والله أعلم.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر حديثين في عدة الأمة لدلالتهما على ما ذكره من اعتداد الأمة بحيضتين.

                                                أحدهما: أخرجه عن عائشة -رضي الله عنها- رواه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، عن مظاهر -بضم الميم وبالظاء المعجمة وكسر الهاء- بن أسلم، ويقال: مظاهر بن محمد بن أسلم القرشي المخزومي المدني وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-.

                                                وأخرجه أبو داود : نا محمد بن مسعود قال: نا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن مظاهر ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة، عن النبي -عليه السلام-: ... مثله. إلا أنه قال: "وعدتها حيضتان".

                                                [ ص: 91 ] وأخرجه الترمذي : نا محمد بن يحيى النيسابوري قال: نا أبو عاصم، عن ابن جريج ، قال: حدثني مظاهر بن أسلم قال: حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة أن رسول الله -عليه السلام- قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان".

                                                وأخرجه ابن ماجه : نا محمد بن بشار، نا أبو عاصم ... إلى آخره نحوه.

                                                وقال الترمذي: حديث عائشة حديث غريب لا يعرف مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم، ومظاهر بن أسلم لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث.

                                                وقال أبو داود: وهو حديث مجهول.

                                                وقال الخطابي: هو حديث ضعيف.

                                                وقال البيهقي: مظاهر بن أسلم مجهول.

                                                قلت: أما قول الترمذي: لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث. يرده ما رواه أبو أحمد بن عدي ، وإسناده: عن مظاهر بن أسلم، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: "أن رسول الله -عليه السلام- كان يقرأ عشر آيات من آخر آل عمران كل ليلة".

                                                وأما قول أبي داود: وهو حديث مجهول. يعني: لجهالة مظاهر فغير مسلم؛ لأنه كيف يكون مجهولا وقد روى عن الأئمة الكبار مثل ابن جريج والثوري وأبي عاصم النبيل .

                                                وأما قول الخطابي: إن الحديث ضعيف. غير مسلم أيضا؛ لأن مظاهرا وثقه ابن حبان على ما ذكرنا، وقال الحاكم في "المستدرك": لم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح فالحديث إذا صحيح.

                                                [ ص: 92 ] ويشده أيضا الحديث الثاني، وهو حديث عبد الله بن عمر الذي رواه من أصحاب السنن ابن ماجه .

                                                وقال: ثنا محمد بن طريف وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا: ثنا عمر بن شبيب المسلي ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عطية ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "طلاق الأمة اثنتان، وعدتها حيضتان".

                                                وأخرجه الطحاوي: عن يزيد بن سنان ، عن الصلت بن مسعود بن طريف الجحدري شيخ مسلم ، عن عمر بن شبيب بن عمر المسلي المذحجي الكوفي فيه مقال؛ فعن يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان شيخا صدوقا، ولكنه كان يخطئ كثيرا.

                                                والمسلي -بضم الميم وسكون السين المهملة- نسبة إلى بني مسلية.

                                                وهو يروي عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي روى له الجماعة، عن عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي القيسي الكوفي، فيه مقال؛ فعن أحمد : ضعيف الحديث. وعن أبي زرعة: لين. وعن يحيى بن معين: صالح. روى له الأربعة غير الترمذي .

                                                فهذان الحديثان يشد بعضهما بعضا ولا سيما وافقهما ما روي عمن نذكرهم من الصحابة والتابعين ممن قولهم: "طلاق الأمة ثنتان، وعدتها حيضتان".

                                                ويستفاد منهما أحكام:

                                                الأول: فيه دلالة صريحة أن عدة الأمة حيضتان وقال ابن حزم في "المحلى": مذهب جمهور السلف من الصحابة والتابعين أن عدة الأمة حيضتان، وصح عن عمر وابنه وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-.

                                                [ ص: 93 ] وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا علي بن مسهر ، عن سعيد ، عن حبيب المعلم ، عن الحسن، عن علي -رضي الله عنه-: "عدة الأمة حيضتان، فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف".

                                                وكذا روي عن سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسالم بن عبد الله والحسن البصري والزهري وعطاء بن أبي رباح والشعبي، وهذا كله حجة على الشافعي ومن تبعه من أن عدة الأمة طهران.

                                                الثاني: فيه دلالة على أن المراد من الأقراء الحيض لا الأطهار؛ لأنه إذا ثبت أن عدة الأمة حيضتان كانت عدة الحرة ثلاث حيض، وثبت أن الأقراء هي الحيض مع ما تأيد بحديث: "المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها"، وقوله -عليه السلام- في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" .

                                                الثالث: فيه دلالة صريحة أن عدد الطلاق يعتبر بحال المرأة؛ لأن النبي -عليه السلام- جعل طلاق جنس الإماء ثنتين؛ لأنه أدخل لام الجنس على الأمة في رواية أبي داود : "طلاق الأمة تطليقتان" كأنه قال: طلاق كل أمة ثنتان من غير فصل بين ما إذا كان زوجها عبدا أو حرا، وهذا أيضا حجة على الشافعي ومن تبعه في قولهم: عدد الطلاق يعتبر بالرجال.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية