الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولم يكن له كفوا أحد

                                                                                                                                                                                                                                      4 - ولم يكن له كفوا أحد ؛ ولم يكافئه أحد؛ أي: لم يماثله؛ سألوه أن يصفه لهم؛ فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته (تعالى)؛ فقوله: "هو الله"؛ إشارة إلى أنه خالق الأشياء؛ وفاطرها؛ وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر؛ عالم؛ لأن الخالق يستدعي القدرة؛ والعلم؛ لكونه واقعا على غاية إحكام؛ واتساق؛ وانتظام؛ وفي ذلك وصفه بأنه حي؛ لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بد وأن يكون حيا؛ وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير؛ مريد؛ متكلم؛ إلى غير ذلك من صفات الكمال؛ إذ لو لم يكن موصوفا بها؛ لكان موصوفا بأضدادها؛ وهي نقائص؛ وذا من أمارات الحدث؛ فيستحيل اتصاف القديم بها؛ وقوله: "أحد"؛ وصف بالوحدانية؛ ونفي الشريك؛ وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات؛ والمتوحد بعلم الخفيات؛ وقوله: "الصمد"؛ وصف بأنه ليس إلا محتاجا إليه؛ وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه؛ فهو غني؛ لا يحتاج إلى أحد؛ ويحتاج إليه كل أحد؛ وقوله: "لم يلد"؛ نفي للشبه؛ والمجانسة؛ وقوله: "ولم يولد"؛ نفي للحدوث؛ ووصف بالقدم؛ والأولية؛ وقوله: "ولم يكن له كفوا أحد"؛ نفي أن يماثله شيء؛ ومن زعم أن نفي الكفء - وهو المثل؛ في الماضي؛ لا يدل على نفيه للحال؛ والكفار يدعونه في الحال - فقد تاه في غيه؛ لأنه إذا لم يكن فيما مضى؛ لم يكن في الحال ضرورة؛ إذ الحادث لا يكون كفؤا للقديم؛ وحاصل كلام الكفرة يؤول إلى الإشراك؛ والتشبيه؛ والتعطيل؛ والسورة تدفع الكل؛ كما قررنا؛ واستحسن سيبويه تقديم الظرف؛ إذا كان مستقرا؛ أي: خبرا؛ لأنه لما كان محتاجا إليه قدم؛ ليعلم من أول الأمر أنه خبر؛ لا فضلة؛ وتأخيره إذا كان لغوا؛ أي: فضلة؛ لأن التأخير مستحق للفضلات؛ وإنما قدم في الكلام الأفصح [ ص: 696 ] لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات البارئ - سبحانه -؛ وهذا المعنى مصبه ومركزه هذا الظرف؛ فكان الأهم تقديمه؛ وكان أبو عمرو يستحب الوقف على "أحد"؛ ولا يستحب الوصل؛ قال عبد الوارث: على هذا أدركنا القراء؛ وإذا وصل نون وكسر؛ أو حذف التنوين؛ كقراءة: عزير ابن الله ؛ "كفئا"؛ بسكون الفاء؛ والهمزة؛ " حمزة وخلف "؛ "كفوا"؛ مثقلة غير مهموزة؛ " حفص "؛ الباقون: مثقلة مهموزة؛ وفي الحديث: " من قرأ سورة (الإخلاص)؛ فقد قرأ ثلث القرآن"؛ لأن القرآن يشتمل على توحيد الله؛ وذكر صفاته؛ وعلى الأوامر؛ والنواهي؛ وعلى القصص؛ والمواعظ؛ وهذه السورة قد تجردت للتوحيد؛ والصفات؛ فقد تضمنت ثلث القرآن؛ وفيه دليل شرف علم التوحيد؛ وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم؛ ويتضع بضعته؟! ومعلوم هذا العلم هو الله؛ وصفاته؛ وما يجوز عليه؛ وما لا يجوز عليه؛ فما ظنك بشرف منزلته؛ وجلالة محله؟! اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك؛ العاملين لك؛ الراجين لثوابك؛ الخائفين من عقابك؛ المكرمين بلقائك؛ وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ "قل هو الله أحد"؛ فقال: "وجبت"؛ فقيل: يا رسول الله؛ ما وجبت؟ قال: "وجبت له الجنة ".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية