الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا ثبتت ) العنة بوجه مما مر ( ضرب القاضي له سنة ) ولو قنا كافرا إذ ما يتعلق بالطبع يستوي فيه القن وغيره

                                                                                                                            ( بطلبها ) لقضاء عمر رضي الله عنه بها ، وحكي فيه الإجماع ، وحكمته مضي الفصول الأربعة إذا تعذر الجماع إن كان لعارض حرارة زال شتاء أو برودة زال صيفا أو يبوسة زال ربيعا أو رطوبة زال خريفا ، فإذا مضت السنة علم أن عجزه خلقي ، وابتداؤها من وقت الضرب لا الثبوت ، بخلاف مدة الإيلاء فإنها من وقت الحلف بالنص

                                                                                                                            [ ص: 315 ] وتعتبر بالأهلة فإن وقع في أثناء شهر كملت من الثالث عشر ثلاثين يوما ، ويكفي قولها : أنا طالبة حقي بموجب الشرع وإن جهلت تفصيل الحكم فإن سكتت لم تضرب .

                                                                                                                            نعم إن علم القاضي أن سكونها لنحو جهل أو دهشة فلا بأس بتنبيهها ، وأفهم كلامه عدم قيام الولي عنها في ذلك ولو مجنونة

                                                                                                                            ( فإذا تمت ) السنة ولم يطأها ولم تعتزله فيها

                                                                                                                            ( رفعته إليه ) لامتناع استقلالها بالفسخ ، وقضية كلامهم بل صريحه أن الرفع ثانيا بعد السنة يكون على الفور وهو كما أفاده الشيخ رحمه الله تعالى المعتمد خلافا للماوردي والروياني

                                                                                                                            ( فإن قال وطئت ) فيها أو بعدها وهي ثيب

                                                                                                                            ( حلف ) إن طلبت يمينه على وطئها لتعذر إثبات الوطء مع أن الأصل السلامة ، أما بكر غير غوراء شهد ببكارتها أربع نسوة فتصدق هي لأن الظاهر معها ، وتحلف وجوبا كما رجحه في الشرح الصغير .

                                                                                                                            نعم يظهر توقفه على طلبه ، وكيفية حلفها أنه لم يصبها وأن بكارتها أصلية ولو لم تزل البكارة في غير الغوراء لرقة الذكر فهو وطء كامل ، وهو صريح في إجزائه في التحليل على ما مر والأصح خلافه ، وما تقرر من تصديقه في الوطء مستثنى من قاعدة تصديق نافي الوطء ، كما استثني منها أيضا تصديقه فيه في الإيلاء ، وفيما إذا أعسر بالمهر حتى يمتنع فسخها وتصديقها فيه فيما لو اختلفا في كون الطلاق قبله أو بعده وأتت بولد يلحقه ، ولو شرطت بكارتها فوجدت ثيبا فتصدق بيمينها لدفع الفسخ أو ادعت المطلقة ثلاثا أن المحلل وطئها وفارقها وانقضت عدتها وأنكر المحلل الوطء : أي وتصدق على الفراق فتصدق بيمينها لحلها للأول لا لتقرير مهرها لأنها مؤتمنة في انقضاء عدتها وبينة الوطء متعذرة ، ولو قال لها وهي طاهر أنت طالق للسنة ثم ادعى وطأها في هذا الطهر ليرفع وقوع الطلاق في الحال وأنكرته صدق بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح ، ونظيره إفتاء القاضي في إذا لم أنفق عليك اليوم فأنت طالق وادعى الإنفاق فيصدق لدفع الطلاق وهي لبقاء النفقة عليه عملا بأصل بقاء العصمة وبقاء النفقة وإن ابن الصلاح في فتاويه الظاهر الوقوع

                                                                                                                            ( فإن نكل ) عن اليمين

                                                                                                                            ( حلفت ) هي على أنه لم يطأها إذ النكول كالإقرار

                                                                                                                            ( فإن حلفت ) أنه لم يطأها

                                                                                                                            ( أو أقر ) هو بذلك

                                                                                                                            ( استقلت ) هي

                                                                                                                            ( بالفسخ ) لكن بعد قول القاضي ثبتت العنة أو حق الفسخ وإن لم يقل فاختاري كما ذهب إلى عدم اشتراطه جمع ، ولذا حذفه من الشرح الصغير ، ومن أثبته فليس للتقييد ، وما بحثه الزركشي من اشتراط قوله حكمت لأن الثبوت ليس بحكم ممنوع إذا المدار على تحقق السبب وقد وجد

                                                                                                                            ( وقيل يحتاج إلى إذن القاضي ) لها في الفسخ

                                                                                                                            ( أو فسخه ) بنفسه لاحتياجه إلى نظر واجتهاد ، ورد بالاكتفاء بما سبق ،

                                                                                                                            [ ص: 316 ] وإنما كان هذا هو الأصح في الفسخ بالإعسار لأن العنة هنا خصلة واحدة ، فإذا تحققت بضرب المدة وعدم الوطء لم يبق حاجة للاجتهاد ، بخلاف الإعسار فإنه بصدد الزوال كل وقت فاحتاج للنظر والاجتهاد فلم تمكن من الفسخ به

                                                                                                                            ( ولو اعتزلته أو مرضت أو حبست في المدة ) جميعها

                                                                                                                            ( لم تحسب ) المدة إذ لا أثر لها حينئذ فتستأنف سنة أخرى ، بخلاف ما لو وقع بذلك له فإنها تحسب عليه ، واعتمد الأذرعي في حبسه ومرضه وسفره كرها عدم حسبانها لعدم تقصيره ، وخرج بجميعها : فلا يجب الاستئناف بل تنتظر الفصل الذي وقع لها ذلك فيه فتكون معه فيه ولا يضر انعزالها عنه فيما سواه ، ولو كان الانعزال عنه يوما مثلا فالقياس قضاء مثل ذلك اليوم لا جميع الفصل ولا أي يوم منه

                                                                                                                            ( ولو رضيت بعدها ) أي السنة

                                                                                                                            ( به ) أي المقام مع الزوج

                                                                                                                            ( بطل حقها ) من الفسخ لرضاها بالعيب مع كونه خصلة واحدة والضرر لا يتجدد ، وبه فارق الإيلاء والإعسار وانهدام الدار في الإجارة وخرج ببعدها رضاها قبل مضيها لأنه إسقاط للحق قبل ثبوته ، ولو طلقها رجعيا بعد رضاها به بأن استدخلت ماءه أو وطئها في دبرها ثم راجعها لم يعد حق الفسخ لاتحاد النكاح ، بخلاف ما لو جدد نكاحها بعد بينونتها فإنه لا يسقط طلبها لكونه نكاحا غير الأول

                                                                                                                            ( قوله وكذا لو أجلته ) زمنا آخر بعد المدة

                                                                                                                            ( على الصحيح ) لأنه الفور والتأجيل مفوت له ، وبه فارق إمهال الدائن بعد الحلول لأن حق طلب الدين على التراخي .

                                                                                                                            والثاني لا يبطل لإحسانها بالتأجيل ولا يلزمها فلها الفسخ متى شاءت .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ضرب القاضي له سنة ) هل ولو أخبره معصوم بأنه عجز خلقي توقف فيه سم ، ويؤخذ من كلام حج أنه لا بد من ضرب السنة لأن الشرع أناط الحكم بها لكن المعصوم

                                                                                                                            [ ص: 315 ] واجب التصديق ، فالأقرب عدم ضرب السنة قياسا على ما لو أخبره معصوم بأنه خرج منه ناقض مع تمكنه من الأخذ بخبره ( قوله : فإن سكتت لم تضرب ) أي المدة ( قوله أو دهشة ) أي تحير ، يقال دهش الرجل تحير ( قوله : فلا بأس بتنبيهها ) قضيته عدم وجوب وذلك وهو ظاهر لتقصيرها بعدم البحث ( قوله : إنه القياس ) أي في البكر الغوراء ( قوله : والأصح خلافه ) أي ثم لا وهنا ( قوله : لدفع الفسخ ) أي لا لوجوب المهر ، فلو طلق مصرا على إنكار الجماع تشطر المهر ( قوله لا لتقرير مهرها ) أي فلا يجب كله بل يتشطر ( قوله : وهي لبقاء النفقة ) قياس ذلك أنه لو حلف أن يوفيه حقه وقت كذا ثم مضى الوقت وادعى توفيته فيه وأنكر المستحق ، صدق المستحق في بقاء الدين ، والزوج في عدم وقوع الطلاق . ( قوله : إذ النكول كالإقرار ) أي مع اليمين المردودة ، ولو عبر بها كان أولى إذا النكول بمجرده لا أثر له ( قوله : ولذا حذفه ) أي قوله وإن لم يقل فاختياري

                                                                                                                            [ ص: 316 ] قوله : واعتمد الأذرعي إلخ ) ضعيف ( قوله : بل ينتظر الفصل ) أي من السنة الأخرى .

                                                                                                                            قال ابن الرفعة : وفيه نظر لاستلزامه لاستئناف أيضا لأن ذات الفصل إنما يأتي من سنة أخرى .

                                                                                                                            قال : فلعل المراد أنه لا يمتنع انعزالها عنه في غير ذلك الفصل من قابل بخلاف الاستئناف ا هـ شرح منهج ( قوله : بأن استدخلت ماءه ) ظاهره ولو في دبرها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 315 ] قوله : وهو صريح في التحليل ) لكن الذي قدمه هناك اعتماد عدم حصول التحليل به ( قوله : إذ النكول ) أي مع رد اليمين




                                                                                                                            الخدمات العلمية