الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال صالح : سألت أبي عن رجل مات وله ثلاثة غلمان ثلاثتهم اسمهم فرج فوصى عند موته فقال فرج حر وفرج له مائة وفرج ليس له شيء . قال أبي : يقرع بينهم فمن أصابته القرعة فهو حر وأما صاحب المائة فلا شيء له وذلك أنه عبد والعبد هو وماله لسيده . وهذا يدل على الصحة مع اشتراك الاسم ; لأنه إنما علل البطلان ههنا لكونه عبدا فدل على أنه لو كان حرا لاستحق ، وزعم صاحب المغني أن رواية صالح تدل على بطلان الوصية وخالفه صاحب المحرر .

ونقل حنبل قال أبو عبد الله : في رجل له غلامان اسمهما واحد فأوصى عند موته فقال : فلان حر بعد موتي لأحد الغلامين وله مائتا درهم ، وفلان ليس هو حر واسمهما واحد ، فقال : يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو حر وأما صاحب المائتين فليس له شيء وذلك أنه عبد والعبد وماله لسيده وهذه لا تدل على مثل ما دلت عليه رواية صالح لكن السؤال يقتضي أن الموصى له بالمائتين هو العتيق والجواب يدل على خلافه ، ومن [ ص: 236 ] ثم زعم صاحب المحرر أنها تدل على بطلان الوصية للإبهام وليس كذلك ; لأنه إنما علل بكونه عبدا لم يعتق وتأولها القاضي وابن عقيل على أن الوصية لم تصح لكونه عبدا حال الإيصاء ولا يكفي حريته حال الاستحقاق ، وعلى هذا فلا تصح الوصية لأم الولد والمدبر وهو ضعيف جدا .

وجواب أحمد إنما يتنزل على أن الموصى له بالدراهم غير المعتق . ونقل يعقوب بن بختان أن أبا عبد الله سأل عن رجل له ثلاثة غلمان اسم كل واحد منهم فرج ، فقال : فرج حر ولفرج مائة درهم .

قال : يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو حر والذي أوصى له بالمائة لا شيء له ; لأن هذا ميراث ، وهذه الرواية من جنس ما قبلها حيث علل فيها ببطلان الوصية بكون العبد الموصى له ميراثا للورثة فهذه الروايات التي ساقها الخلال في الجامع وكلها دالة على الصحة وهو قول القاضي وساقها أبو بكر في الشافي على أن الموصى له بالدراهم هو المعتق وأن أحمد صحح الوصية له في رواية صالح وأبطلها في رواية حنبل قال أبو بكر : وبالصحة أقول ، وفي الخلال أيضا عن مهنا أن أحمد قال في رجلين شهدا على رجل أنه أوصى عند موته لفلان بن فلان من أصحاب فلان ألف درهم أو أحاله بها والشهود لا يعرفون فلان بن فلان كيف يصنعون وقد مات الرجل ؟ قال : ينظرون في أصحاب فلان فيهم فلان بن فلان من أصحاب فلان ؟ قلت : فإن جاء رجلان فقال كل واحد منهما : أنا فلان بن فلان من أصحاب فلان قال : فلا يدفع إليهما شيئا حتى يكون رجل واحد ، والظاهر أن أحمد لم يتوقف في الدفع إلا ليتيقن المستحق من غيره لا لصحة الوصية فإنها ههنا لمعين في نفس وإنما اشتبه علينا لاشتراك الاسمين فلذلك وقف الدفع على معرفة عين المستحق إذا رجي انكشاف الحال وأما مع الإياس من ذلك فيتعين تعيين المستحق بالقرعة قاله بعض الأصحاب المتقدمين وهو الحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية