الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  كره مشتق من الكراهة وهي اقتضاء الترك مع عدم المنع من النقيض ، وقد يعرف المكروه بأنه ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله كذا قاله الكرماني .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا لا يمشي على إطلاقه ، وإنما يمشي هذا في كراهة التنزيه ، وأما في كراهة التحريم فلا .

                                                                                                                                                                                  قوله : " الإسراف " [ ص: 243 ] هو صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي بخلاف التبذير ، فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي .

                                                                                                                                                                                  قوله : " فيه " أي : في الوضوء ، وأشار بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق هلال بن يساف أحد التابعين ، قال : كان يقال في الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر ، وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهما ، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه ابن ماجه بإسناد لين ، حدثنا ابن مصفى ، حدثنا بقية ، عن محمد بن الفضل ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما " رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يتوضأ ، فقال : لا تسرف لا تسرف " قال : وحدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن عبد الله ، عن الجباني " عن ابن عمرو : أن رسول الله عليه الصلاة والسلام مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف ؟ قال : أفي الوضوء إسراف ؟ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار " وقال بعض الشارحين : قول البخاري هذا إشارة إلى نقل الإجماع على منع الزيادة على الثلاث .

                                                                                                                                                                                  قلت : وفيه نظر ، فإن الشافعي رضي الله عنه قال في الأم : لا أحب الزيادة عليها ، فإن زاد لم أكره إن شاء الله تعالى ، وحاصل ما ذكره الشافعية في المسألة ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                  أصحها : أن الزيادة عليها مكروهة كراهة تنزيه .

                                                                                                                                                                                  وثانيها : أنها حرام .

                                                                                                                                                                                  وثالثها : أنها خلاف الأولى وأبعد قوم فقالوا إنه إذا زاد على الثلاث يبطل الوضوء كما لو زاد في الصلاة ، حكاه الدارمي في استذكاره عنهم وهو خطأ ظاهر وخلاف ما عليه العلماء .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وإن يجاوزوا " عطف على قوله : " الإسراف فيه " وهو عطف تفسيري للإسراف إذ ليس المراد بالإسراف إلا المجاوزة عن فعل النبي عليه الصلاة والسلام أي الثلاث . وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : ليس بعد الثلاث شيء . وقال أحمد وإسحاق : لا تجوز الزيادة على الثلاث . وقال ابن المبارك : لا آمن أن يأثم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : المذكور في هذا الباب كله ترجمة فأين الحديث ؟

                                                                                                                                                                                  قلت : لا نسلم ذلك لأن قوله : " وبين النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة " حديث ; لأن المراد من الحديث أعم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم غاية ما في الباب أنه ذكره على سبيل التعليق ، وكذا قوله : " وتوضأ أيضا مرتين مرتين " حديث لما ذكرنا ، ولا شك أن كلا منهما بيان للسنة وهو المقصود من الباب ، وهذا الذي ذكرناه على ما وجد في بعض النسخ من ذكر لفظ باب ها هنا ، وأما على بعض النسخ التي ليس فيها ذكر لفظ باب فلا يحتاج إلى هذا التكلف .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية