الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه معناه لا ينهى بعضهم بعضا عن المنكر ؛ وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي : حدثنا يونس بن راشد عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم إلى قوله فاسقون ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا .

وقال أبو داود : وحدثنا خلف بن هشام : حدثنا أبو شهاب الحناط ، عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة ، عن سالم ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، زاد : وليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم . قال أبو بكر : في هذه الآية مع ما ذكرنا من الخبر في تأويلها دلالة على النهي عن مجالسة المظهرين للمنكر ، وأنه لا يكتفى منهم بالنهي دون الهجران . قوله تعالى : ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا روي عن الحسن وغيره أن الضمير في " منهم " راجع إلى اليهود ؛ وقال آخرون : هو راجع [ ص: 109 ] إلى أهل الكتاب ، والذين كفروا هم عبدة الأوثان تولاهم أهل الكتاب على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربته .

قوله تعالى : ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء روي عن الحسن ومجاهد أنه في المنافقين من اليهود ، أخبر أنهم غير مؤمنين بالله وبالنبي وإن كانوا يظهرون الإيمان . وقيل : إنه أراد بالنبي موسى عليه السلام أنهم غير مؤمنين به ؛ إذ كانوا يتولون المشركين قوله تعالى ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى الآية . قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي : " نزلت في النجاشي وأصحابه لما أسلموا " . وقال قتادة : " قوم من أهل الكتاب كانوا على الحق متمسكين بشريعة عيسى عليه السلام فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به " . ومن الجهال من يظن أن في هذه الآية مدحا للنصارى وإخبارا بأنهم خير من اليهود ، وليس كذلك ؛ وذلك لأن ما في الآية من ذلك إنما هو صفة قوم قد آمنوا بالله وبالرسول يدل عليه ما ذكر في نسق التلاوة من إخبارهم عن أنفسهم بالإيمان بالله وبالرسول .

ومعلوم عند كل ذي فطنة صحيحة أمعن النظر في مقالتي هاتين الطائفتين أن مقالة النصارى أقبح وأشد استحالة وأظهر فسادا من مقالة اليهود ؛ لأن اليهود تقر بالتوحيد في الجملة وإن كان فيها مشبهة تنقص ما أعطته في الجملة من التوحيد بالتشبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية