الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان من له ولاية الصلاة على الميت فذكر في الأصل أن إمام الحي أحق بالصلاة على الميت وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الإمام الأعظم أحق بالصلاة إن حضر ، فإن لم يحضر فأمير المصر ، وإن لم يحضر فإمام الحي ، فإن لم يحضر فالأقرب من ذوي قراباته ، وهذا هو حاصل المذهب عندنا ، والتوفيق بين الروايتين ممكن ; لأن السلطان إذا حضر فهو أولى ; لأنه إمام الأئمة فإن لم يحضر فالقاضي ; لأنه نائبه فإن لم يحضر فإمام الحي ; لأنه رضي بإمامته في حال حياته ، فيدل على الرضا به بعد مماته ; ولهذا لو عين الميت أحدا في حال حياته فهو أولى من القريب لرضاه به إلا أنه بدأ في كتاب الصلاة بإمام الحي ; لأن السلطان قلما يحضر الجنائز ، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته وذوي قراباته ; لأن ولاية القيام بمصالح الميت له .

                                                                                                                                وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد فأما على قول أبي يوسف ، وهو قول الشافعي القريب أولى من السلطان ، لأبي يوسف والشافعي أن هذا أمر مبني على الولاية ، والقريب في مثل هذا مقدم على السلطان ، كما في النكاح وغيره من التصرفات ; ولأن هذه الصلاة شرعت للدعاء والشفاعة للميت ، ودعاء القريب أرجى ; لأنه يبالغ في إخلاص الدعاء ، وإحضار القلب بسبب زيادة شفقته ، وتوجد منه زيادة رقة وتضرع فكان أقرب إلى الإجابة ، ولأبي حنيفة ومحمد ما روي { أن الحسن بن علي لما مات قدم الحسين بن علي سعيد بن العاص ليصلي عليه - وكان واليا بالمدينة - وقال : لولا السنة ما قدمتك ، وفي رواية قال : لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التقدم لما قدمتك } ; ولأن هذا من الأمور العامة فيكون متعلقا بالسلطان كإقامة الجمعة والعيدين بخلاف النكاح فإنه من الأمور الخاصة ، وضرره ونفعه يتصل بالولي لا بالسلطان ، فكان إثبات الولاية للقريب أنفع للمولى عليه ، وتلك ولاية نظر ثبتت حقا للمولى عليه قبل الولي بخلاف ما نحن فيه .

                                                                                                                                أما قوله : " إن دعاء القريب ، وشفاعته أرجى " فنقول : بتقدم الغير لا يفوت دعاء القريب وشفاعته مع أن دعاء الإمام أقرب إلى الإجابة على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ثلاث لا يحجب دعاؤهم وذكر فيهم الإمام } ، ثم تقدم إمام الحي ليس بواجب ولكنه أفضل لما ذكر أنه رضيه في حال حياته .

                                                                                                                                وأما تقديم السلطان فواجب لأن تعظيمه مأمور به ; ولأن ترك تقديمه لا يخلو عن فساد التجاذب والتنازع على ما ذكرنا في صلاة الجمعة والعيدين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية